جريدة فاص
ابراهيم نوار :
حولت مسألة ضمان أمن وحرية الملاحة في مضيق هرمز وخليج عمان، إلى مشروع يعمل من خلاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تحقيق هدفين في وقت واحد، الأول هو ابتزاز دول العالم ذات المصلحة، والثاني فرض حصار بحري غير مشروع على إيران. الهدف الأول عبر عنه ترامب صراحة في تغريدة على حسابه الشخصي يوم 24 يونيو/حزيران 2019 تساءل فيها عن عقلانية أن تتولى الولايات المتحدة، بدون مقابل، حماية أمن مضيق تمر منه 91% من واردات الصين من النفط و62% من واردات اليابان من النفط. وقال: لماذا إذن نحمي الملاحة في الخليج لدول أخرى بدون أي مقابل؟ وأضاف: «نحن لسنا في حاجة لأن نبقى هناك، خصوصا بعد أن أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم».
دونالد ترامب يستخدم مسألة أمن الخليج لخلق واقع مضطرب، وإرسال قوات للقيام بمهمة فرض حصار بحري على إيران، ولضمان شل قدرتها على تصدير برميل واحد من النفط، في سياق الحرب الاقتصادية التي بدأها، منذ قرر أن تنسحب واشنطن من الاتفاق النووي الموقع عام 2015. ويهدف ترامب إلى تجويع وتركيع الشعب الإيراني، وحرمانه من التصرف في أهم مكونات ثروته القومية. وبسبب الحرب الاقتصادية فإن صادرات إيران من النفط هبطت في نهاية إبريل/نيسان الماضي إلى ما يقرب من 300 ألف برميل يوميا، في مقابل 2.5 مليون برميل يوميا في إبريل 2018، قبل تنفيذ قرار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وبدء سريان العقوبات الأمريكية. هذا يعني أن إيران تخسر في المتوسط 138 مليون دولار يوميا، بسبب حظر تصدير النفط فقط، أي ما يزيد عن 50 مليار دولار سنويا. ويزيد هذا الرقم بمئات الملايين، إذا ما أضفنا الخسائر الناتجة عن حظر تصدير الخامات والمواد المعدنية والمعاملات المصرفية.
وفي سبيل تحقيق أغراضه يشن ترامب حملة دبلوماسية عالمية شرسة من أجل إقناع دول العالم بالمشاركة في قوة عسكرية لتقوم بمهام «ضمان أمن وحرية الملاحة في الخليج» أو المشاركة في تمويل القوات الأمريكية، التي تستطيع أن تقوم بهذا الدور. ويتولى تنفيذ هذه الحملة وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون والقائم بأعمال وزير الدفاع مارك إسبر.
من الردع الاستباقي إلى حماية السفن التجارية
في البداية تحدث ترامب ومسؤولو الدفاع والخارجية والأمن القومي في واشنطن عن تشكيل ائتلاف عسكري ضد إيران في الخليج، يكون بمثابة «قوة ردع استباقي» قبيل قمة أوساكا لمجموعة العشرين. لكن الدول المشاركة في القمة لم ترحب بالاقتراح الأمريكي، ما اضطر ترامب إلى إعادة صياغة اقتراحه لاستبعاد الدور العسكري، بحيث تقتصر مهام القوة على قدرات البحث والاستطلاع والتأمين ومرافقة السفن العابرة. وأبلغت الولايات المتحدة حلفاءها أن قطع الأسطول الأمريكي لن تشارك في تأمين أو مرافقة سفن دول أخرى. وما تزال المناقشات جارية حتى الآن، بين مسؤولي الدفاع والخارجية والأمن القومي، والدول الأعضاء في حلف الناتو، وكل من السعودية والإمارات وإسرائيل، إضافة إلى بعض الدول الأخرى ومنها اليابان وكوريا الجنوبية، بشأن المشاركة في القوة البحرية المقترحة بقيادة الولايات المتحدة. ويأمل ترامب أن تضم هذه القوة قطعا بحرية أو مساهمات مالية من 60 دولة، أهمها دول الشرق الأوسط المنضمة إلى ما يسمى «الناتو العربي» وعلى رأسها السعودية والإمارات والبحرين، إضافة إلى دول رئيسية ذات مصلحة في حرية الملاحة في الخليج مثل، اليابان وكوريا الجنوبية والهند، وإلى جانبها عدد من دول حلف الأطلنطي، خصوصا بريطانيا.
مصادر القوة الأمريكية
تمارس الولايات المتحدة دورها الحالي في الخليج، معتمدة على منطق يفترض أنها هي القوة التي تنفرد بقيادة العالم، وهو منطق يمثل امتدادا لحقبة ما بعد الحرب الباردة، لكنه يخالف حقائق الواقع العالمي الحالي، الذي يتجسد في صعود قوة الصين، ومحاولة الاتحاد الأوروبي العودة إلى ساحة السياسة العالمية كقوة عالمية مستقلة، ونهوض روسيا من كبوتها، إلى جانب ظهور قوى صاعدة من بين الدول النامية مثل، الهند والبرازيل وجنوب افريقيا وغيرها. ويستند المنطق الأمريكي إلى عدد من مقومات القوة، تشمل القوة العسكرية الغاشمة، التي تضم القيادة الوسطى والأسطول الخامس والحشد البحري، بقيادة حاملة الطائرات إبرهام لينكولن، وأسراب طائرات أف -22 وأف -15 الهجومية. كما تضم مصادر القوة الأمريكية إمكانات الدول الحليفة مثل السعودية والإمارات. لكن جبروت القوة الأمريكية يعاني من ضعف المشروعية الدولية لقراراتها الأحادية الجانب، وحتى الآن تبدو قوى رئيسية عالمية مثل، الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على خلاف كلي أو جزئي مع الولايات المتحدة بشأن العقوبات المفروضة على إيران.
مصادر القوة الإيرانية
تواجه إيران صعوبات كبيرة تزداد حدتها يوما بعد يوم، بسبب وقف تصدير نفطها إلى الخارج، والحصار المالي والتجاري المفروض عليها. وعلى الرغم من التزام إيران ببنود اتفاق خطة العمل المشتركة بشأن قدراتها النووية لمدة عام بعد انسحاب الولايات المتحدة، فإن الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق لم تتوصل حتى الآن إلى طريقة عملية لتعويض إيران عن الخسائر التي تلحق بها بسبب العقوبات الأمريكية. ولا تبدو في الأفق حتى الآن علامات مبشرة بشأن تفعيل آلية تسوية المبادلات التجارية بين دول الاتحاد الأوروبي وإيران، ولذلك، فإنه بعد أن أثبتت إيران حسن النية في احترام التزاماتها لمدة عام كامل، فقد أصبح من الضروري إعادة النظر في الموقف بأكمله، بما يعبر عن المصالح الإيرانية طويلة الأمد. وتتضمن مصادر القوة الإيرانية زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم والكميات المنتجة منه إلى المستويات التي كانت عليها قبل الاتفاق على الأقل. وقد بادرت إيران إلى ذلك بعد إصدار تحذير علني إلى الدول المشاركة في الاتفاق النووي. وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة النووية في 8 يوليو/تموز أن إيران تجاوزت بالفعل نسبة التخصيب، كما أعلنت إيران أنها بصدد إعادة تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في منشآتها النووية، خصوصا مفاعل (أراك). وتحتاج إيران إلى شن حملة دبلوماسية مضادة للتأكيد على استعدادها لاحترام كل التزاماتها متى ما تم وقف الحرب الاقتصادية ضدها.
كما تتضمن مصادر القوة الإيرانية سلاح البحرية التابع للقوات المسلحة وللحرس الثوري الإيراني (المصنف منظمة إرهابية بواسطة الولايات المتحدة). وقد أثبتت عملية تحويل مسار ناقلة النفط البريطانية في مضيق هرمز واحتجازها في ميناء هرمزكان، قدرة بحرية الحرس الثوري على مضاهاة الأسلوب نفسه الذي استخدمته بريطانيا وقوات حلف الناتو في تحويل مسار ناقلة النفط الإيرانية جريس -1 واحتجازها في مضيق جبل طارق. وتؤكد القيادة السياسية في طهران، أنها وإن كانت لا تبدأ الحرب، إلا أنها مستعدة للرد بقوة على محاولات انتهاك السيادة الإيرانية. وطبقا لوزير خارجية إيران نفسه فإن «أي طرف يبدأ الحرب على إيران لن يكون هو الطرف الذي يقرر نهاية هذه الحرب». وهو ما يعني أن إيران تحتفظ لنفسها بحق الكلمة الأخيرة في أي حرب عليها. ولا يبدو في الأفق حل قريب لأزمة أمن الملاحة، واختطاف ناقلات النفط في الخليج، خصوصا مع زيادة حجم ونوعية الحشد العسكري ضد إيران، بواسطة كل من واشنطن والرياض وأبوظبي، وترقب مجيء رئيس جديد للوزراء في بريطانيا، من المرجح أن يتبنى سياسة دفاعية وخارجية أكثر التصاقا بالسياسة الأمريكية. ويعني استمرار الأزمة حرمان إيران من شريان حياتها الرئيسي وهو تصدير النفط، وهو ما تراهن عليه واشنطن لجر طهران إلى مائدة المفاوضات. خيارات إيران في المقابل تعتمد بالأساس على قوة الإرادة الوطنية، والقدرة على الصمود والمقاومة، وعلى ابتكار أساليب جديدة للرد على الحصار والحرب الاقتصادية، وعلى نشاط دبلوماسيتها، ودعم مؤيديها في العالم خصوصا الصين وروسيا. وربما يكون للأمين العام للأمم المتحدة دور في التقدم بمشروع للوساطة، ينقل مسألة أمن الخليج من حالة الأزمة إلى حالة التفاوض.
٭ كاتب مصري
جريدة فاص