المال…..جوهر الحياة المعاصرة

يونس المنصوري

المال أصبح جوهر الحياة المعاصرة، يقيس به الناس قيمتهم ومكانتهم، حتى باتت العلاقات الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية تُعاير بميزان المادة. في هذا العصر، أصبح كل شيء قابلًا للبيع، حتى ما كان يُعتقد أنه مقدس، كالقيم والدين. الإنسان الذي وُلد حرًا ومُكرمًا، أصبح رهينة لنظام مادي يحكمه العرض والطلب، وأضحى المال الأداة التي تقيس النجاح والفشل، الفضل والنقص. حين ينظر المجتمع إلى المال كغاية وليس وسيلة، يصبح الدين نفسه أداة يُتاجر بها، يُقدم بشكل يناسب أهواء من يدفع أكثر، يتحول من نور يهدي إلى ظلام يُستخدم لتبرير الهيمنة والسيطرة.
في الماضي، كان الدين هو الحصن الأخلاقي للمجتمعات، القوة التي تُلهم الناس للعيش بتوازن بين الروح والجسد. أما اليوم، فقد أصابه ما أصاب كل شيء آخر، اختُزل في طقوس وشكليات، وفُرغ من جوهره لصالح ثقافة مادية تحكمها المصالح. هذا التغير ليس فقط نتيجة طغيان المال، بل نتيجة غياب منظومة تُعزز الوعي الروحي وتُحرر الإنسان من قيود المادة. حين يُصبح الفقير مهددًا بكرامته، يُساوم على مبادئه ليلبي حاجاته الأساسية، وحين يُصبح الغني سيدًا بسبب أمواله، يتحكم ليس فقط في الأرض، بل في الأفكار والمعتقدات.
التأمل في هذا الواقع يقودنا إلى حقيقة مرعبة؛ أن كل شيء قابل للزوال حين يُقاس بالمادة. فالقيم التي تُشترى تُستهلك سريعًا، والعلاقات المبنية على المصالح تنهار بمجرد تغير الظروف. حتى الدين، حين يتحول إلى وسيلة لتحقيق مكاسب مادية أو سياسية، يفقد قدرته على إصلاح النفوس، ويُصبح أداة تُشوه الحقيقة. المجتمع الذي يسير في هذا الاتجاه، محكوم عليه بفقدان ذاته، لأن المادة زائلة، أما الروح فهي التي تُخلد.
الإصلاح يبدأ حين نعيد للإنسان قيمته ككائن روحي وأخلاقي، حين نتوقف عن قياس النجاح بما نملكه ونُعيد الاعتبار لما نُعطيه، حين نفهم أن المال وسيلة تسهل الحياة، لا غاية تُحدد مصيرنا. الدين في جوهره رسالة لتحرير الإنسان، لكن تحريره لا يتحقق إلا حين ينكسر هذا الطوق المادي الذي يلتف حول روحه. المال زائل، وكل ما يُشترى به زائل، أما ما ينبع من الروح فيبقى، لأنه هو الحقيقة الوحيدة التي لا تتغير.




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.