تعالت أصوات سياسية وحزبية في الجزائر منادية بالالتفات إلى مسألة الجبهة الداخلية كملاذ أخير لضمان التماسك الداخلي، تحسبا لأي سيناريو يستهدف البلاد، وفق ما جرى في سوريا بعد السقوط السريع لنظام بشار الأسد، وسط مخاوف من إحياء الحراك الشعبي.
وبعد جبهة القوى الاشتراكية التحقت حركة مجتمع السلم (حمس) وقبلهما حزب جيل جديد، ثم حركة البناء الوطني، بجبهة غير معلنة تجمع على ضرورة الاهتمام بالجبهة الداخلية لمواجهة أي حراك في الشارع الجزائري، في ظل التحولات العميقة والتغيرات المفاجئة في المنطقة.
وأجمعت أحزاب سياسية جزائرية على ضرورة تعزيز الجبهة الداخلية، من أجل تفادي أي اهتزاز يستهدف أمن البلاد واستقرارها، ودعت السلطة إلى فتح حوار وطني شامل يستقطب جميع الأطياف السياسية والأيديولوجية، كملاذ وحيد يكفل للجزائريين التصدي لمختلف المخططات المحتملة، بعد السقوط المفاجئ للأسد، وفي ظل المناورات التي تقوم بها فرنسا.
ويتخوف النظام الجزائري من أن تشجع التطورات الإقليمية على إحياء الحراك الشعبي الذي تم الالتفاف على مطالبه بوعود كثيرة من الرئيس المعين عبدالمجيد تبون، في وقت يقول فيه الجزائريون إن لا شيء تغير بالنسبة إليهم منذ احتجاجات 2019.
وانضم رئيس حركة مجتمع السلم (الإخوانية) عبدالعالي حساني شريف، إلى زعيم جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، في مطلب تعزيز الجبهة الداخلية والتماسك الوطني في مواجهة الاضطرابات، بمباشرة حوار سياسي شامل يستقطب جميع الأطياف السياسية والأيديولوجية.
وكان شريف وأوشيش قد شاركا في الانتخابات الرئاسية في شهر سبتمبر الماضي، وحصلا على نتائج هزيلة لم تتجاوز حدود عشرة في المئة للأول وستة في المئة للثاني من مجموع المصوتين، لكن رسالتهما إلى السلطة كانت قوية وشديدة، خاصة ما تعلق منها بتغول المقاربة الأمنية في إدارة الشأن العام على حساب المؤسسات الأخرى.
ولئن أفضى حراك 2019 إلى الإطاحة بحكم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ولم ينجح في الحد من نفوذ المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والاستخبارية المسيطرة على كل دواليب الدولة، فإن الحراك الجديد يتوقع أن يكون عنوانه تفكيك النفوذ الأمني للسلطة، وهو ما أشار إليه أوشيش في تصريحات السبت الماضي.
ويقول مراقبون إن المؤسسة العسكرية نجحت في أن تنجو من الغضب الشعبي آنذاك بأن رعت الانتقال من مرحلة بوتفليقة إلى انتخاب تبون، لكن الآن لن تجد من تحمّله المسؤولية في ضوء غضب شعبي متزايد ليس فقط على الوضع الاجتماعي والمعيشي، وإنما أساسا على التراجع الكبير في صورة الجزائر وعزلتها في الإقليم وتوتر علاقاتها الخارجية دون مراعاة المصالح الإستراتيجية للبلاد.
وأثناء خطاب التنصيب الذي ألقاه الرئيس المعين تبون (سبتمبر الماضي)، كان قد وعد بفتح حوار سياسي شامل مع جميع مكونات المجتمع، وألمح آنذاك إلى معضلة الفجوة السياسية بين الشارع والسلطة.
ويبدو أن التطورات الإقليمية تدفع المشهد الجزائري إلى المسارعة إلى إيجاد تحصينات سياسية؛ فرئيس الجمهورية -الذي بدا في ذلك الحين غير قلق بشأن موعد الحوار وتوعد بأن يكون في نهاية العام المقبل أو بداية العام الذي يليه- سيكون تحت ضغط تسارع الأحداث الإقليمية، والقوى السياسية التي كانت تنتظر جدية السلطة في فتح الحوار باتخاذ إجراءات استباقية لتهدئة الوضع العام، صارت تطالب بفتح الحوار في أقرب وقت ممكن، بسبب المخاطر والتوترات المتصاعدة في المنطقة.
وتحدث رئيس حمس في مؤتمر جهوي لحزبه بشرق البلاد عن “ضرورة الذهاب إلى حوار سياسي شامل يضع جميع الأطياف السياسية في جبهة واحدة متماسكة لمواجهة المخاطر المحدقة.”
وشدد في كلمته على “حتمية تضافر جهود الجميع للحفاظ على وحدة الوطن ومصالحه في مواجهة التحديات، لاسيما في ظل التطورات الجارية على الساحة الدولية، وأن حزبه ملتزم بالجهود الرامية إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيز الجبهة الداخلية.”
وفي سياق متصل توقع رئيس حزب جيل جديد المعارض جيلالي سفيان أن تكون تداعيات سقوط النظام السوري على الجزائر في إطار جيوسياسي، وأن “علاقاتنا مع دول الشرق الأوسط ستتأثر بشكل غير مباشر”، وأن “إعادة تنظيم الشرق الأوسط تحت رعاية الثلاثي الأمريكي – التركي – الإسرائيلي يمكن أن تعطي أفكارا لمحاولة توسيع النظام الجديد نحو شمال أفريقيا.”
لكن جيلالي احتفظ بخيط التفاؤل، وأكد على أنه “لا ينبغي المبالغة في تقدير المخاطر، لأن للجزائر وسائلها للدفاع عن نفسها.”
ويبدو أن الهواجس الجزائرية لا تتعلق بسقوط نظام الأسد فقط، بل تمتد إلى الأزمة المتصاعدة مع الشريك التقليدي فرنسا، بعد التطورات التي شهدتها علاقات البلدين في الأيام الأخيرة، واتهام الجزائر باريسَ بضلوع جهازها الاستخباراتي في أعمال عدائية تستهدف أمن البلاد واستقرارها.
وفي هذا الشأن أصدرت حركة البناء الوطني الموالية للسلطة بيانا ذكرت فيها أنه “يمكن للجزائريين أن يختلفوا حول أولويات التنمية، أو حول القضايا الاقتصادية، أو الرؤى السياسية، ولكنه غير مسموح لهم أن يختلفوا حول القضايا الكبرى والمصالح الحيوية للأمة الجزائرية،” في تلميح إلى ترتيب أولويات الداخل والخارج لدى المكونات السياسية والحزبية في البلاد.
وشددت على “تكرار دعوتها السابقة لشركاء الوطن، من أجل التسريع في بناء حزام وطني قادر على تجاوز كل الأزمات الظرفية والمستقبلية، ويتصدى للتحديات والمخاطر ويحصن المجتمع بوعي صحيح، ذلك الحزام الذي نؤسسه معا من أجل دعم خيارات المؤسسات حاليا، وكذا التأسيس لبناء قاعدة حكم سياسية مستقرة بمؤسسات وطنية تضمن مصالحنا الحيوية وتحمي سيادتنا من شتى المخاطر والتهديدات مستقبلا.”
ويأتي هذا الموقف ليضاف إلى بيان سابق لجبهة القوى الاشتراكية، قالت فيه إن “الانهيار المذهل وغير المتوقع للنظام السوري والأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط تذكرنا بحقيقة لا يمكن إنكارها، وهي أن قوتنا تكمن في وحدتنا وقدرتنا على بناء القدرة على الصمود القادر على حمايتنا من هذه الاضطرابات الجيوسياسية الكبرى.”