ذ / عبد اللطيف شعباني
تعيش المجتمعات البشرية حاليا في عالم متغير بسبب التقدم التقني والتكنولوجي وثورة المعلومات والاتصالات الأمر الذي جعل العالم وكأنه يعيش في قرية صغير في عصر العولمة ، ورغم الإيجابيات التي حققها هذا التقدم للبشرية.
بيد أن هناك سلوكيات وظواهر غريبة وشاذة طفت على السطح وتحتاج من الباحثين وأصحاب الرأى معرفة حجمها الحقيقي والعوامل والأسباب التي تقف وراء ها والعمل على الحد من انتشارها ألا وهي سلوكيات العنف الالكتروني .
فقد أصبح استخدام التكنولوجيا الالكترونية عبر الانترنت والهواتف المتحركة ومواقع التواصل الاجتماعي مصدر خطراً للانتقام أو الابتزاز، أو ربما للتسلية على حساب الآخرين.
مما سبق يعد شكلاً من اشكال تمزق السلوك الانساني السوي وصورة من صور الانحطاط الانساني ، ونمط من انماط الفوضى الاخلاقية والاجتماعية تدمر العلاقات الانسانية وتغتال الأنسانية فكرا وسلوكا.
لقد اتخذ العنف في الاونة الاخيرة إذن أشكالا باتت تشكل خطرا حقيقيا على المنظومة الاجتماعية والأخلاقية والدينية ، ولاستشراء الظاهرة واستفحالها وتنوع أساليبها وتمظهرها وفق أساليب متعددة وسعت من دائرة العنف ؛ وجعلتها مكونا من مكونات البناء الاجتماعي للمجتمع لدرجة أصبح المواطن كائنا عنيفا بطبعه.
وقبل الحديث عن أشكال العنف الالكتروني المنتشر في المجتمعات كافة خلال الفترة الراهنة ووفقًا لشبكة علم العنف ، ماهو العنف الالكتروني؟؟
تكمن الإجابة عن هذا السؤال في تعريف مفهوم العنف الإلكتروني (Cyber Violence)، والذي هو” مجموعة الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها بعض البشر بحق بعضهم الآخر باستخدام شبكة الإنترنت، إنَّه التسخير غير الأخلاقي للشبكة العنكبوتية في أذية الناس وابتزازهم عاطفياً ومادياً وجنسياً ومعلوماتياً” .
فالعنف الإلكتروني إذن هو ظاهرة جديدة لم تكن موجودة من قبل اقتحام الإنترنت لمجالات الحياة بهذه القوة والحساسية، والذي نتج عنه انتقال مشكلاتهم وسلوكاتهم المؤذية إلى العالم الافتراضي.
و هو استخدام أفراد بعينهم أو أطراف متحالفة للأنظمة الذكية وشبكات الإنترنت من أجل تهديد أمان أفراد محددين وإلحاق الضرر بهم، سواء كان هذا الضرر اقتصادياً أم نفسياً أم جسدياً أم جنسياً أم اجتماعياً أم مهنياً، فضلاً عن اقتحام خصوصية الأفراد والتشهير بهم أو فضح نقاط ضعفهم أمام الملأ، وهو ما يجعل العنف الإلكتروني ظاهرة أكثر تعقيداً وسوءاً من العنف المباشر.
أما أشكال العنف الرقمي فهي :
الاختراق:
وهو استخدام التكنولوجيا للوصول بصورة غير قانونية أو غير مصرح بها إلى الأنظمة أو الحسابات الخاصة بالفرد لغرض الحصول على المعلومات الشخصية أو تغيير أو تعديل المعلومات الخاصة بها، أو الافتراء وتشويه سمعة الضحية المستهدفة.
الانتحال:
يعني استخدام التكنولوجيا لحمل هوية الضحية أو شخص آخر من أجل الوصول إلى معلومات خاصة أو إحراج الضحية أو إلحاق العار بها، أو التواصل معها أو إنشاء وثائق هوية مزورة.
التتبع:
استخدام التكنولوجيا لمطاردة ورصد أنشطة الضحية وسلوكه، إما فى وقت حدوثها أو التى وقعت فى وقتٍ سابق.
التحرش:
استخدام التكنولوجيا للاتصال المستمر والإزعاج والتهديد أو تخويف الضحية، على أن يكون هذا السلوك متكررًا ومستمرًا وليس حادثًا واحدًا، وذلك عن طريق المكالمات المستمرة أو الرسائل النصية أو البريد الصوتى أو الإلكترونى.
التوظيف:
استخدام التكنولوجيا لجذب الضحايا المحتملين فى حالات العنف، على سبيل المثال وظائف احتيالية وإعلانات سواء على مواقع التواصل أو مواقع فرص العمل.
توزيع مواد مزعجة:
استخدام التكنولوجيا لمعالجة وتوزيع مواد تشهيرية وغير قانونية متعلقة بالضحية، منها على سبيل المثال تسريب الصور الحميمية، أو الفيديو للضحية.
ثم هناك نوع آخر من العنف الإلكترونى وهو إرسال المواد الإباحية غير التوافقية (إرسال محتوى جنسى من طرف واحد)، بالإضافة إلى الانتقام الإباحى على الانترنت من خلال تسريب صور حميمية لتشويه الضحية أو إذلالها بهدف الانتقام وإلحاق الضرر بها.
كيف إذن يمكن مواجهة هذا النوع من العنف؟؟
قبل الحديث عن اليات المواجهة لا بد من الوقوف على بعض الأسباب التي تساهم في تعزيز ثقافة العنف الالكتروني وهي :
1- الفهم الخاطئ للحرية والتعبير عن الراى من قبل مستخدمي مواقع وشبكات الانترنت.
2- شعور الاشخاص بالنقص والاحباط، والحرمان، وعدم الثقة بالنفس.
3- إستفحال التسلط والإستبداد وسياسة التفرد والإقصاء و القمع والانتهاكات والملاحقات و التقييد على الحريات العامة وحرية التعبير من قبل السلطات الحاكمة.
4- الضغوط النفسية والاجتماعية نتيجة الفقر والبطالة وسوء الاحوال الاقتصادية.
5- قلة الوعي بالاساليب المناسبة للتعامل مع المواقف والظروف.
ولهذا لابد من مواجهة هذا العنف من خلال تظافر كافة الجهود وتكاثفها بداً من الأسرة مرورا بمؤسسات التنشئة من مدارس وجامعات ومساجد واحزاب، ووسائل اعلام ، وصولا الى المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني لترسيخ المبادئ والقواعد أبرزها ما يلي:
1- ضرورة إعتبار السلطات الامنية أن ظاهرة العنف الالكتروني جريمة يعاقب عليها القانون، ووضع رقابة قانونية تساهم في الحد من تلك الظاهرة ،وآثارها الاجتماعية للأسرة والمجتمع.
2- توعية افراد المجتمع بكافئة فئاته وشرائحه بماهية الانترنيت وتوجيههم بعدم الانجراف الى ممارسة كهذا نوع من العنف.
3- حث الاسرة (الابوين) على مراقبة سلوك وتصرفات ابناءها من اجل الوقوف على الحلول والعلاج كهذا نوع من العنف.
4- ترسيخ وتعزيز ثقافة الحوار، والتسامح، و الديمقراطية من خلال حرية تبادل الرأي والتعبير واحترام حقوق الإنسان.
5- تشجيع افراد المجتمع على استخدام لغة العقل والمنطق في حل الخلافات والمشكلات.
6- وضع آليات تربوية واخلاقية ودينية للحد من انتشار هذه المشكلة بين الافراد، وتنفيذ دورات تثقيفية توضح الاخطار المحدقة والضارة عن سوء استخدام مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية.
فمن المهم تذكير الشباب إذن بالممارسات السليمة لاستخدام الإنترنيت والشبكات الاجتماعية. فحسب آخر دراسة أجراها المركز المغربي للأبحاث متعددة التقنيات والابتكار سنة 2021، فإن أكثر من 50 بالمائة من الشباب المغربي لا يعرفون كيفية تعديل إعدادات الخصوصية في حساباتهم على الشبكات الاجتماعية، وهو ما يعرضهم لخطر قرصنة وسرقة البيانات. إنه رقم ينذر بالخطر.
فمناهضة العنف الإلكتروني في الوسط المدرسي إذن تمر بالأساس عبر مقاربة تربوية والتحسيس المستمر بقيم الاحترام والمسؤولية في العالم الرقمي.