إبتسامةٌ في جَوف الكَدر…..

ذ محمد نخال

لَمْلِمي شَتاتي، لا تُطفِئي الشُّموع، وتُمزقي دفتر ذكرياتي، لا تَرمي الورود في المجاري، وتُعْلنينَ للعَلَن عن وفاتي، فأنا ما زلتُ حيّا رغم مُعاناتي، وقادر على الصُّمود ولو بالنَّزَر القليل من الفُتات، كيف أشرح لك، كيف أجعلك تشعرين بألَمي يا فَتاتي، يا خَسارتي ويا لخَسارتي.
إني يا سيدتي لأراني فيك، وأرك في، ولا أرى نفسي في سِواك، فنفسي ونفسك في مُعتقدي سِيان، وحتى وإن كنتِ جاحدة بهذا المُعتقد، وناكِرة لهذا الإيمان، فإيماني بهذا المعتقد جازم على الدوام.
لقد أوهمتُ الجميع بأنني قد نسيتُك، ولكن لم أستطع أن أقْنِع نفسي بنسيانك، وقد تواطأتْ مهجتي مع هذا النسيان. فما بين غيابك ورحيلك، انطفأتْ شموع الأمل في داخلي، وما عادت تَنْعق في أروقة فؤادي سِوى الغربان، فأنا الآن ميّت في غيابك، كما كنت مُحنَّطا في حضورك. لقد تآنسْتْ نفسي مع هذا الألم الذي أنا آلمْتُه، وأصبحتُ وإياه واحدا لا إثنان. لقد عشقتُ فيك تعاسَتي وأدمَنْتها، لأن لولاها ما تَوالدتْ أفكاري، فالسَّعيد في المُعتقد لا يُفكر، وأنا أكره أن أكون سعيدا بلا تفكير فيك.
يا فاتِنَتي، إن لم يكن لحاضرك معنًى، فلغيابك معنيان، في أحدهما القلب ملتهبٌ ظمآن، وفي الثاني معاناةُ روحٍ حتّى الهديان.
كم تمنيتُ لو كنتُ أحببتك يوما ثم مَضيْتُ، ولكن الماضي آلْتَهَمَني وآلْتَهَم حاضري، وما عدتُ بينهما كأي إنسان. ولكني وإن كنتُ هكذا، فسأعيش وهْمَ الأمل، لأني أعلم أن الأيام وإن جادتْ علي بشدائدها، فلابد يوما عيْشي فيها سَيطيب، وأن الجراح وإن غارَتْ مَضاربُها في مُهجتي، فأنتِ لها طبيب، ومهما طال غيابك، فأنتِ ستظليني لقلبي ذاك الحبيب، والأيام هكذا ما كل شِرْبٍ فيها عَذيب. أيتها القاسية، تعلمين أن قلبي ليس من حجر، وما هو بجلمُود صخر، ورغم هذا قسَوتِ في حقه وأشعلتِ رأسي بالمَشيب.
إني ياسيدتي أعلم أنه ما يُؤذينا بعمق، إلا من أحببناه بصدق، وكيف لا وقد أسكنتك في مكامن ضَعفي، واعتقدتُ جازما أنك نصفي. سهرت الليالي أنتظرك، وطال انتظاري في غرفة الانتظار، رحل العشاق من حولي وبقيت وحيدا أنتظرك، وإن كنتُ أعلم علم اليقين بأنك لن تحضري في المَوعد، ولن تقِفي في صَفّي. فأنت مهما كنتِ تبْقينَ رائعة، والرائعون لا يلتقون في بداية العمر، بل يلتقون بعد رحلة طويلة من التّعب، لذا سأظل أنتظركِ مهما كان تعبي، فربما قد ألتقي بك في نهاية العمر. ولكن عليك أن تعلمي أني رجل، ستظلين تجمعين بعضا من بقايا حنانه من ذكرياتك، وستظلين تجمعين شظايا فؤاده المنكسر على أعتاب المِحن التي كنت سببا فيها، وستظلين تسمعين في وحدتك همس روحه التي عشقتك بلا مقابل، وستبحثين بين أدْراج خواطرك عن فُتاتٍ من اهتمامه وغيرته، وسَتُذرفين دموع النّدم على مواقفه النبيلة التي لم تغيرها عوادي الزمن، وستدركين بعد رحيل العمر أنني رجل لا يُنْسى، وأنه لمرة واحدة في العمر، يمر بك الشخص النّاذر، حينها يكون قد فات الأوان، هذا أنا، وهذه أنتِ … والأيام بيننا.




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.