سكون الليل….

بقلم الأستاذ صالح اليوسفي

في قلب مدينة هجرها الكثير من أهلها، حيث تتناثر البيوت القديمة كأحلام ضائعة، كان هناك حي صغير يدعى “حي الذكريات”. في هذا الحي، كان يسكن “علي”، شاب في الثلاثين من عمره، يحمل على عاتقه أحلاما عالقة في زوايا ذهنه، كالأتربة التي تغطي ركن منزل مهجور.
كان يجلس كل ليلة في شرفته الصغيرة، ينظر إلى السماء المرصعة بالنجوم، يستمع إلى همسات الرياح التي تروي قصص المدينة. كان الليل يحمل له سكونا مختلفا، يشعره بأن الكون بأكمله يتقاسم معه أفكاره وأحلامه.
ذات ليلة لمحت عيناه شيئا غريبا في الحي. كان هناك ضوء خافت ينبعث من أحد البيوت المهجورة، بخطوات ثابتة مصحوبة بالحذر، اقترب من ذلك المنزل، وعندما حاول فتح بابه المتهالك أحدث صوتا مرعبا نتيجة الصدأ. كانت تجلس داخله فتاة على الأرض، محاطة بمجموعة من الكتب القديمة. كانت ترسم لوحاتٍ جميلة تعكس ألوان أحلامها. نظرت إليه بابتسامة خافتة، كأنها تنتظر قدومه:
“مرحبا، أنا ليلى”، قالت بصوت هادئ.
حينها شعر علي بشيء غير عاد يربطه بهذه الفتاة، عرف أنه عثر على صديقة أحلامه. بدأ الاثنان يتحدثان عن أحلامهما المعلقة، والذكريات التي يحملانها عن الحي. كانت ليلى تبحث عن ملاذ من وحدتها، بينما هو كان يسعى لإحياء ذكريات الماضي.
ومع مرور الأيام، أصبحت ليلى وعلي يلتقيان في كل ليلة. كانت تتحدث له عن لوحاتها، بينما هو كان يسرد لها قصصا عن المدينة وأحلامه، ومع كل لقاء، كانت تتكون بينهما روابط متينة، تشبه الألوان التي تدمجها ليلى في لوحاتها.
لكن كما هي الحال في الحياة، كانت هناك قسوة، حيث أخبرته ليلى أنها ستغادر المدينة إلى مكان بعيد، بحثا عن فرصة جديدة. شعر علي وكأن قلبه يتمزق، لكن سكون الليل لم يسمح له بالتعبير عن مشاعره.
في الليلة الأخيرة، اجتمعا في شرفته وقال لها بصوت متقطع: “لا تذهبي، فنحن حلم واحد، وكل منا يحتاج الآخر.” ابتسمت وقالت: “رغم المسافات، سنظل مرتبطين، الليل هو سكون، لكن أحلامنا لن تموت.”




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.