عبد اللطيف شعباني
يشهد العالم اليوم ثورة إعلامية غير مسبوقة، حيث أصبحت القنوات التلفزية، والمواقع الإخبارية، ومنصات التواصل الاجتماعي جزءً أساسيًا من حياة الإنسان اليومية. هذا التحول السريع جعل من الإعلام فاعلًا محوريًا في تشكيل القيم وتوجيه الرأي العام، وهو ما يعرف بالتشكل القيمي داخل المجال الإعلامي.
يلعب الإعلام دورًا مزدوجًا؛ فهو من جهة وسيلة لنشر المعرفة وتعزيز قيم إيجابية مثل الحرية، والتسامح، والاحترام، والمواطنة المسؤولة. ومن جهة أخرى، قد يتحول إلى مصدر لبث قيم سلبية عندما يخضع لمصالح تجارية أو سياسية، فينشر العنف، والشائعات، وخطابات الكراهية، والتطبيع مع السلوكيات الخطرة. وهنا يبرز الفرق بين الإعلام المسؤول والإعلام الموجّه.
لقد ساهم الإعلام الرقمي بشكل خاص في إعادة صياغة المنظومة القيمية لدى الشباب، إذ أصبح الفضاء الإلكتروني مليئًا بالمحتويات التي تتفاوت بين الجيد والمنحرف. فأمام غياب الرقابة الذاتية، يتعرض المتلقي لضغط كبير لتبني قيم قد تتعارض مع هويته وثقافته. وهذا يدفع المتابع إلى التساؤل عن مدى قدرة المجتمع على حماية أفراده من هذا التأثير.
وفي المقابل، يمكن للإعلام أن يكون قوة بناء هائلة إذا تم استثماره بشكل صحيح، عبر إنتاج محتوى يرسّخ قيم المواطنة، ويشجع على الحوار، ويعزز التفكير النقدي. كما يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في نشر الوعي بقضايا البيئة، والصحة، والتنمية، ومحاربة العنف والتطرف الرقمي.
إن التشكل القيمي في المجال الإعلامي لم يعد مسألة اختيارية، بل أصبح واقعًا يصنع طرائق تفكير الأفراد وسلوكهم اليومي. ومن هنا تبرز الحاجة إلى إعلام مهني، نزيه، يلتزم بالمسؤولية الأخلاقية، ويضع مصلحة المجتمع فوق كل اعتبار. كما يصبح دور الأسرة والمدرسة ضروريًا في توجيه الشباب وتمكينهم من مهارات التعامل الواعي مع المحتوى الإعلامي.
يبقى الإعلام إذن قوة مؤثرة لا يمكن تجاهلها، وقيمه ليست ثابتة، بل تتشكل باستمرار وفق ما يُنتَج ويُستَهلك من محتوى. لذا فإن مسؤولية الحفاظ على قيم المجتمع هي مسؤولية مشتركة بين الإعلاميين، والمؤسسات، والأسر، والمتلقين أنفسهم.

