بقلم ذ يوسف جهاري
– كيفَ تنظر لكتاباتِ حبيبتك “مَعارِج”؟
سألني”حافِظ”، إذاعِيُّ قناةِ الذكاء الاصطناعي الثقافية عامَ 2050.
تبدّى على ملامحه الإنسانيّة القبيحة جهدُ التقليد، تقاسيمه وشتْ بعاديّةٍ سمجة، الإنسانُ لمْ يكن بهذه الطبيعيّة أبدا.
عقلُ الإنسان لا نهائيّ كما الكون، من يستطيع أن يفهمه، أن يستوعبه، أنْ يكونه!
لم أُطلعه على نظرتي الشزراء تُجاهه، ونحو كل الآلات التي امتطَتْ هويّتنا الإنسانية، خشيتُ من الميزِ العنصري، منظّمةُ حقوقِ الآلات كانتْ لترفع دعوةً قضائية ضدي.
الذّنبُ ذنبُنا، كلّما أردْنا تيسير مطبّات الحياة، ارتطمتْ بنا لُججُ مصائب أخرى، آفةُ الإنسان الأولى بدأتْ مع اكتشافِه الزراعة، ومشنقتُهُ الأخيرة، تعدّ على مهلٍ بأنامل الذكاء الاصطناعي.
—————
أجبتُ حالِمًا مُتذَكّراً ليالينا السّامرة في العشرينات، ولاحتْ صورتُها البهيّة في صوتِ ميكروفوني:
-لم تكنْ معارج تكتب؛ بل كانت تُهرّب الحروفَ من الحِمم الجهنّميّة، من غياهِب اللاوعي. تُهاجِرُ بها عبر قوارِب الزّقّوم، تصلُني وَعِرةَ الطّلاسم، خاليةً من شوائبِ الابتذال.
كانتْ ابن حيّان زمنها، حوّلتْ أوديةَ أنهار سقر لكوثرٍ تستلذّهُ الذائقة، رُغمَ حنظلِ المنبع.
بارتيابٍ وتعجّبٍ مُفتعل، حاولَ “حافظ” أنْ يبدو كمن يأخذُ وقتهُ في استيعابِ ما أقول، بينما عالجَ الملفوظات الراثية في أجزاء من الثانية. ابتسمتُ له مظهرًا خُبثَ الكشف.
عُصارةُ سحر مَعارج اللانهائي، اختُزِلْ في بيانات جامدة. بينما أنا، ولحدِّ الآن، بعد عقدين من لحدها، مازلتُ أحاولُ فهمَ شخصيّتها الغامضة.
—————
حافظ: قلتَ ذاتَ يوم أنّ سوريالية معارج كانتْ أكثر ما فتنكَ، أيمكنْ أن توضح لمتابعينا مكامن ذلك؟
– معارج نظرتْ بعين الإجلال للأصلِ الأعوج للأنثى، كانتْ تعتقد (لم تخبرني إنْ قرأت ذلك في كتابٍ ما، أو مجرد هرطقاتٍ استنتاجية وافقتْ عقلَها المائل) أنّ الإلهَ في بدايةِ الأمر فكّر في خلقِ الأنثى من ماء، كما خلق الرجل من طين.
لكنّ الإلهَ نسي ما كتبه في الأزل، وفي قولٍ آخر: قبائل الشياطين المتبجحة بتغيير لوسيفر لمسارِ الخلق، ترى أن جدهم من حذفَ العبارة، عندما انسلّ ذاتَ يومٍ لمكتبِ الإله، إبّانَ انشغال هذا الأخير بمعركة طاحنة بينَ الملائكة والجن.
بدلّ لوسيفر فكرةَ الماء بفكرة الضلع، فقه جيّدًا أنّ ذلكَ بابٌ لثورةِ الأنثى على الإله ذات يوم.
الثورة النسوية لا تتعلق أساساً بصراعِ الأنثى مع الرجل المستبد، هو فقط الضلعُ الآدمي الذي مازال عالقاً في ترقوتها.
أُخِذَ لبّ معارج بفكرة الاعوجاجِ والالتواء الشيطانيّ أكثر من مسار الخلق المائي، كانتْ تقول:
“لولا الاعوجاجُ لكنّا أرضاً مسطحةً من المُستقيمات المتوازية، الاعوجاجُ أعظمُ ما وقعَ للأنثى، علينا أنْ نكون ممتنّين للإله على نسيانه، وللوسيفر وفكرتِه العبقرية.”
—————
حافظ: قالت في إحدى رسائلها لك: أحبك رغم النجوم المظلمة في سمائك، كيفَ تنظر بعد سنواتٍ لقولها؟
– الشمسُ تستمرُّ في حب القمر، وتقذف عليهِ سائلها النوراني، رغم علمها بظلامه، ثم يقف شامخاً مزهوّاً بإشارة العالمِ له بالبنان.
كانتْ منْ تستشرِقُ الحروفَ في أرضي، لذلك، دوماً، أمقتُ الإشارةَ للمبدِع، دوناً عن مُسبباتِ إبداعه.
—————
حافظ: هل تشبه علاقتكما أي علاقة تاريخية أو أدبية شهيرة؟
– لا أبداً، كانَ كافكا مُقامراً منهزماً في لعبةِ دوستويفسكي، لم تكن ميلينا كاتبةً جيدة، مَيْ زيادة، كانتْ مثقفة، لكنها لمْ تكن مبدعة.
أنا كنتُ محظوظاً بحيازةِ جنونِ اجتماعِ الحُسنيين، كل يوم، لعِقدٍ من الزمن، ركلنا مؤخرة العالم بشعارنا:
العالم سوريالي بطبعه، أنّى للغة العقل استيعابه.
—————
وعيُها ينظرُ لكَ الآن، من قبرِ التخزين الاصطناعي، ماذا تقول لها ككلمةٍ أخيرة؟
فوقَ مسرحِ الضلعِ الأعوج، كأماديوس، أنشدتِ منفردةً معزوفةَ الأرض الدامية.
خشيتُ عليكِ،
من حسدِ سالييري، والاستقامة.
توشحت إفرازاتُ ورقتك بلونِ الذهب الخالص،
ظنّك بنو إسرائيل،
البقرةَ الصفراء،
سُرَّ ناظرهم، فَخرّوا لكِ سُجّدا.
تبثتِ ناظري على وجودك
دوناً عن غيرِك.
انثنى قلمي أمامك
ظننتِ انتصابه الأعوج
غير طبيعيا،،
لكنه فقط،
انحنى تبجيلاً،
أمام بياضِ ورقتك الغامض.
انسدلت على قلبي كفلقِ الصبح.
قلبتِ المفاهيم، وانزوت الأضدادُ في ركنٍ قصي خشية التغيّر لمرادفاتٍ بين أناملك.
كنتِ
الأرضَ النازفة،
تختالُ هازّة
وركها الدامي يمنةً ويسرة،
لا تُندرس تحتَ
عباءةِ المكرر.
كنتِ التاريخ،
الذي لن يُعيدَ نفسه.

