صباحات الأحد …..

بقلم سعيد حجي

صباحات الأحد كانت دوما تشبه عجوزا صامتة، أرملة، تتكئ على ظل رجل رحل قبل أيام فقط، لكنها ما زالت تقنع نفسها بأن الحياة تمضي، ولو زحفا على أطراف التعب. تلك الساعات الأولى من يوم الأحد لا تحمل رهبة الجمعة ولا ضوضاء السبت، بل نوعا من التيه الحائر، ذلك الذي لا يحسم موقفه لا من الفرح ولا من الحزن، كأن الزمن فيه يعلق في المنتصف، فلا هو بداية ولا نهاية…
الأحد ليس يوما عاديا، هو تمرين مؤلم على النصف، على ما هو بين بين. بين الاستيقاظ التام والنوم العميق، بين النية والكسل، بين أن تحيا لأنك تريد، أو تعيش لأنك مضطر. ولذلك، ليس غريبا أن يراه بعض المفكرين كمرآة لثقل المدينة، كما كتب بيير سانسو في كتابه عن “الحياة اليومية”: “إن أثقل اللحظات على الإنسان ليست تلك التي يعيش فيها كارثة، بل تلك التي لا تحمل فيها الحياة أي مبرر للاستمرار، ولا حتى مبررا للتوقف”…
في الأحد، تتداخل الألوان ببطء، تصبح الأشياء مموهة، كأنها فقدت ملامحها الأولى. كوب الشاي الصباحي لا يُسعفك كما كان، وأغنية تحبها لا تبهجك كما فعلت سابقا، ومقال عابر أو كتاب مألوف لا يشعلان فيك تلك الدهشة القديمة. إنه يوم “اللاحدث”، كما أسماه إميل سيوران، يوم تتأمل فيه انكساراتك من دون دراما، فقط بنوع من التأمل الصامت في الفراغ…
لكن، وسط هذا الصمت، هناك حكمة فلسفية لا يمكن تجاهلها. فالأحد في بنيته الوجودية، يعكس عمق الإنسان المعاصر، الذي يقف دوما في منطقة التردد. بين أن يتغير أو يستسلم، بين أن يؤمن أو يشك، بين أن يعترف بانكساراته أو يداريها بابتسامة مجاملة…
الأحد هو يوم اللايقين، لكن اللايقين أحيانا نعمة. إذ يمنحنا فسحة للتأمل، مساحة لنعرف من نكون وسط زحمة الأيام الواضحة. هو يوم هش، نعم، لكنه حقيقي، لا يتزين بزيف المناسبات، ولا يفرض عليك ابتسامة اجتماعية، بل يتركك مع ذاتك، كما أنت، بدون فلاتر…
ولذلك، قد لا يكون الحل في كسر رتابة الأحد بل في الإصغاء له. أن تمنح نفسك فيه لحظة صدق، أن تكتب دون هدف، أن تتأمل دون نتيجة، أن تضع رأسك على الوسادة ليس للنوم ، بل للاعتراف بما لم تقله لأحد. كما نصح كارل يونغ: “تأمل الظل الذي فيك، لأن تجاهله لن يمنعه من أن يحكم حياتك في الخفاء”…
صباحات الأحد، إذن، ليست عبئا. بل فرصة. قد تكون فرصة للبكاء، أو للضحك الهامس، أو حتى للصمت المريح. لكنها تذكير بأنك ما زلت حيا، حتى لو كنت، كما قال محمود درويش، “لا حزينا ولا سعيدا”… بل فقط إنسانا.




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.