عبد اللطيف شعباني
لقد كشف الدكتور مصطفى بنعلي الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية عن موقفه من الإصلاحات الانتخابية المرتقبة، مؤكداً أن تجربة اللائحة الوطنية للنساء والشباب قد استنفدت أغراضها وحان الوقت لتجاوزها، داعياً في المقابل إلى إعادة نظر شاملة في التقطيع الانتخابي لضمان العدالة المجالية والاجتماعية. ويأتي هذا الموقف في سياق الإعداد للانتخابات المقبلة، الذي انطلق بناءً على توجيه ملكي يهدف إلى إرساء مناخ ديمقراطي شفاف.
تقييم نقدي لتجربة “الكوتا”
وفي تقييمه لتجربة اللائحة الوطنية، اعتبر الحزب أنها شكلت مرحلة انتقالية مكنت من إدماج طاقات شابة ونسائية في الحياة السياسية وكسرت حواجز سوسيو-ثقافية مزمنة. غير أنه شدد على أن استمرارها بنفس المنطق العددي وآليات “التعيين المقنع” داخل الأحزاب، قد أفرغها من مضمونها الديمقراطي وحولها إلى منصة لإعادة إنتاج التراتبية الحزبية بدل أن تكون رافعة للعدالة التمثيلية.
وانطلاقاً من رؤيته الاستراتيجية “جبهة 2030″، يقترح الحزب على لسان أمينه العام تجاوز هذا المنطق. فبالنسبة للنساء، يؤكد أن تعزيز حضورهن ليس استجابة لضغوط ظرفية، بل هو جزء من معركة استعادة الفعل السياسي لقيمه التحررية، معتبراً المرأة المغربية حاملة لذاكرة الأمة وضامنة لتعدد روافد هويتها (الأمازيغية، العبرية، الحسانية، الأندلسية، المتوسطية، والإفريقية). وبناءً عليه، يدعو الحزب إلى توسيع تمثيلية النساء عبر آليات جديدة تُدمج “مغربيات العالم” كرافعة دبلوماسية وثقافية واجتماعية.
أما بخصوص الشباب، فيرى بنعلي ضمن تصريح خص به موقع القناة الثانية على ضرورة تجاوز منطق الكوتا الظرفية واعتماد مقاربة تحفيزية جديدة تقوم على سلسلة تأهيل سياسي طويل النفس، تنطلق من الفضاءات المدرسية والجامعية والمجتمع المدني، بهدف جعل الشباب ليس فقط حاملي مطالب، بل “منتجي تصورات وسياسات”.
الدوائر الانتخابية والعدالة المجالية
وفي سياق متصل، وانطلاقاً من خطاب العرش لسنة 2025 ونتائج الإحصاء العام للسكان لسنة 2024، أكد حزب جبهة القوى الديمقراطية تشبثه بنمط الاقتراع الفردي بالأغلبية في دورتين، معتبراً إياه الأقرب للواقع المغربي و القادر على الحفاظ على العلاقة المباشرة بين الناخب والمنتخب، وهو ما يراه أساسياً لإعادة بناء الثقة في ظل تدني نسب المشاركة.
ودعا الحزب إلى أن تأخذ المراجعة العميقة للدوائر الانتخابية بعين الاعتبار ليس فقط المعايير الديمغرافية، بل أيضاً العدالة المجالية والاجتماعية، والتوازن بين المدن والعالم القروي، وإنصاف الجهات التي تعاني من الهشاشة والتهميش. وشدد على أن التقطيع الانتخابي يجب أن يحترم الخصوصيات المحلية وتجانس الامتداد الترابي للدائرة، ليشكل ورش التقطيع فرصة سياسية لترسيخ مصداقية الانتخابات، لا مجرد آلية لإعادة ترتيب موازين القوى.
لا أولوية لهيئة مستقلة والرهان على “الحياد التشاركي”
وحول نزاهة عملية الاقتراع و الإشراف على الانتخابات، حسم الحزب موقفه بالقول إن مسألة إحداث “هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات” ليست ذات أولوية واقعية اليوم. ويرى في طرحها نوعاً من “الارتداد إلى خطاب ما قبل الإصلاح الدستوري” أو توظيفاً سياسياً مشحوناً بمنطق التشكيك المسبق في المؤسسات القائمة.
وأوضح بنعلي أن اللجنة الوطنية التي كان يرأسها رئيس محكمة النقض لم تعد قائمة منذ دستور 2011، الذي أرسى فصل السلط واستقلال القضاء ومؤسسات الحكامة، وهي ضمانات مركبة لما أسماه بـ”الشفافية المؤسساتية”. وبدلاً من الانخراط في هذا السجال، يؤمن الحزب بضرورة التقدم نحو ضمانات تشاركية يوفرها النقاش المفتوح مع وزارة الداخلية.
وخلص الحزب إلى أن جوهر المسألة ليس في غياب هيئة أو وجودها، بل في مدى التزام الدولة والأحزاب والإعلام والمجتمع برؤية مشتركة تحول الانتخابات إلى لحظة ثقة. فالهيئة الأهم للإشراف على الانتخابات، حسب رؤية الحزب، هي تلك التي تتشكل من “هيئة ناخبة مكونة من مواطنين واعين، وقوى سياسية مسؤولة، ومؤسسات منفتحة على النقد”، قادرة على إنتاج ما يسميه “الحياد التشاركي.