عبدالإله العتوبي، باحث في سوسيولوجيا الهشاشة والحياة اليومية.
لا تكاد تنتهي موجة من الفضائح الجامعية في المغرب، حتى تبدأ أخرى. آخرها ما صار يعرف إعلامياً بقضية الدكتور “قليش” أو “الجنس مقابل النقط”، والتي أعادت إلى الواجهة سؤالاً مؤجلاً ومؤلماً: هل الجامعة المغربية في أزمة أخلاق، أم في أزمة بنية؟
من السهل الوقوف عند بشاعة الأفعال الفردية وتضخيمها في الإعلام، لكن الأصعب والأجدى هو تفكيك الشروط البنيوية التي جعلت من الجامعة المغربية تربة خصبة للهشاشة الأخلاقية والمادية على حد سواء. فـ”الهشاشة الأكاديمية” ليست فقط غشاً في البحوث، أو ابتزازاً للطلبة، أو تحرشاً مقنّعاً خلف السلطة العلمية، بل هي قبل ذلك منظومة شبه مكسورة، تعاني من تراجع مكانة الأستاذ، وتآكل القيم الأكاديمية، وانزياح الجامعة عن أدوارها الأصلية.
لقد باتت الجامعة العمومية المغربية تعيش ما يشبه التحوّل التدريجي من فضاء عمومي إلى فضاء شبه خصوصي. فمع تنامي ما يسمى بـ”مسالك التكوين المستمر” المؤدى عنها، و”شبه الخوصصة المقنّعة” لبعض الماسترات، وتراجع الاستثمار العمومي في البحث العلمي، تظهر بوادر ما يمكن تسميته بـ”خصخصة الحاجة”، أي تقديم التعليم العالي كخدمة تُشترى حسب الطلب، لا كحق جماعي يُصان.
لكن، في المقابل، من الظلم اختزال الجامعة المغربية في مشاهد الابتزاز والانحراف. فوسط هذه الظلال القاتمة، ما زالت هناك كفاءات علمية وأخلاقية من أبناء الشعب، أساتذة باحثون مخلصون، يشتغلون في صمت، ويواصلون أداء رسالتهم التربوية بتفانٍ نادر رغم هشاشة الأجور، وانعدام شروط البحث، وضبابية المستقبل.
الفضائح الجامعية ليست قدراً مغربياً خالصاً. في فرنسا مثلاً، عرفت جامعات مرموقة مثل “باريس 8″ و”السوربون” فضائح تحرش وابتزاز شبيهة، تم التعامل معها بمنطق العدالة المؤسساتية لا الفضيحة الإعلامية فقط. أما في الولايات المتحدة، فقد هزّت قضايا مثل “القبول المدفوع” في جامعات النخبة ثقة المجتمع في نُبل الجامعة، دون أن يتم التنصل من مسؤولية الدولة في الحماية والإصلاح.
إن ما نحتاجه اليوم ليس فقط محاسبة الأفراد، بل مساءلة البنية. لأن الأستاذ الذي يبتز طالبته، قد يكون هو نفسه نتاج سنوات من الهشاشة الاجتماعية، والاحتقار المؤسسي، والتسليع البطيء للمعرفة. ومن هنا، فإن إصلاح الجامعة يبدأ من تجديد العقد الأخلاقي بين الدولة والمجتمع والأستاذ والطالب، وليس فقط من قاعات المحاكم.
الجامعة ليست فقط فضاءً للعلم، بل هي مرآة لمجتمع بأكمله. والفساد الأكاديمي ليس شذوذاً أخلاقياً فقط، بل هو علامة على شروخ أعمق في نسيجنا الثقافي والمؤسساتي