الوالي كمنتوج رمزي للدولة: فريد شوراق ونمذجة السلطة داخل الحقل الترابي

 

العتوبي عبدالإله، باحث في سوسيولوجيا الهشاشة والحياة اليومية.

حين نتحدث عن وزارة الداخلية في المغرب، فنحن لا نكتفي بالإشارة إلى مؤسسة تنظيمية، بل نتحدث عن جهاز رمزي عميق، وظيفته الأساسية ليست فقط حفظ النظام، بل أيضًا إعادة إنتاج الدولة في الميدان عبر كوادرها. هؤلاء ليسوا موظفين تقنيين، بل فاعلون رمزيون، يتم إخضاعهم لتكوين دقيق يتجاوز المهارات إلى بناء الهوية. والي جهة مراكش آسفي، السيد فريد شوراق، هو واحد من النماذج البارزة التي تجسد هذا التكوين، وتعيد طرح سؤال مهم: كيف تصنع الدولة نُخبها؟ وبأي أدوات رمزية ونفسية تُشكل صورتها على الأرض؟

من نظرية الحقل إلى ترويض الشخصية
من خلال عدسة بيير بورديو، يمكن فهم وزارة الداخلية كـ”حقل سلطوي” له قواعده الخاصة ورهاناته وعملته الرمزية. هذا الحقل يُنتج فاعلين يمتلكون رأسمالاً مؤسساتياً (الرتبة، المنصب) ورأسمالاً رمزياً (الهيبة، الخطاب، الجسد).
المعهد الملكي للإدارة الترابية لا يقوم فقط بتلقين مهارات الإدارة، بل يؤطر الشخصية ضمن منطق الحقل: التعود على الخضوع والانضباط، استيعاب مسافة التفاعل، التمرن على لغة الدولة، والتحكم في الذات حتى تبدو السلطة “طبيعية” و”باردة”.
إنه ما يسميه بيير بورديو بـ”العنف الرمزي”: حيث يتم تطويع الأطر لتمثيل السلطة دون حاجة للقوة المادية، بل من خلال الشرعية الرمزية للموقع.

فريد شوراق: حين تُجسد الدولة نفسها في رجل
لا يمكن أن نفصل الكاريزما التي يظهر بها شوراق عن هذه الاستراتيجيات. فالرجل، بحضوره الميداني المنتظم، خطابه الرصين، وقدرته على التفاعل مع المواطنين دون فقدان مسافة السلطة، هو نتاج واضح لمدرسة داخلية تصوغ “الشخصية-النموذج”.
إننا أمام تمثيل حي لنظرية الدور (Role Theory) حيث يُدرَّب المسؤول على أداء دور مزدوج: دور “الحاكم الإداري” الصارم، ودور “الخادم العمومي” المتفاعل. وهذا التوازن لا يُكتسب عفويًا، بل هو نتيجة مسار نفسي/مؤسساتي طويل.
يبدو شوراق كمن يتقن لعبة الظهور المتزن: لا يبالغ في الصرامة حتى لا يظهر مستبدًا، ولا يُفرط في الود حتى لا يسقط في التباس “التمثيل السياسي”.

الداخلية كجهاز لصناعة النخبة الرمزية
هنا تتقاطع تحليلات بيير بورديو مع ميشيل فوكو، حين نعتبر أن الدولة لا تشتغل فقط بالقوانين بل بـ”تقنيات للذات”، تُعيد من خلالها تشكيل النخبة بطريقة تجعلها قادرة على السيطرة دون عنف. فشخصيات مثل شوراق ليست مجرد أفراد ناجحين، بل هي رموز تعكس المشروع الأوسع للدولة في السيطرة على المجال والتحكم في الزمن الاجتماعي.
وزارة الداخلية تُراهن على خلق شخصيات “مؤسساتية” تؤدي وظائف معقدة: التفاوض الرمزي مع السكان، تمثيل المركز، امتصاص التوترات، وضبط الإيقاع المحلي.

حين تكون الدولة ذكية في اختيار رموزها
في زمن لم تعد فيه السلطة مقبولة كقدر، بل كعقد اجتماعي مؤقت، يبدو أن وزارة الداخلية واعية بضرورة تجديد رموزها. فالكفاءة اليوم لم تعد كافية، بل يجب أن تُرفق بذكاء رمزي وشخصية قادرة على ترويض التناقضات.
فريد شوراق، كوالي، ليس مجرد موظف سامٍ، بل هو صورة للدولة كما تريد أن تُرى: صلبة لكن مرنة، حاضرة لكن غير متسلطة، فاعلة لكن غير شعبوية.
وهنا، أرى أن على الباحثين في علم الاجتماع السياسي أن يُسلطوا الضوء أكثر على هذه “الشخصيات الوسيطة” التي تتحرك بين المركز والهامش، بين الدولة والمجتمع، وتشكل العمود الفقري لدوام السلطة في سياق اجتماعي متحول.

من خلال تجربة فريد شوراق، نفهم كيف أن وزارة الداخلية لا تُكون فقط مسؤولين، بل تصنع رموزًا. رموز لها وظيفة مزدوجة: ضبط المجال، وبث الإحساس بأن الدولة حاضرة.
إنه درس في السوسيولوجيا الرمزية للسلطة: حيث يتم التحكم عبر الظهور، والتأثير عبر البناء النفسي، والانضباط عبر “التكوين المؤسساتي للذات”.
فهل نمتلك الجرأة لنقول إن الدولة قد تكون ذكية في بعض رهاناتها الرمزية.




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.