محكمة العدل الدولية وقضية الصحراء المغربية

بقلم الخبير هشام الشرقاوي*

تعتبر المقاربة القانونية في ملف الصحراء من بين المداخل الأساسية لتشكيل وإقناع جماعات ضغط دولية فاعلة في صناعة القرار الأممي، كما يمكن الترافع بها في إطار الدبلوماسية الموازية للمجتمع المدني الفاعلين السياسيين والأكاديميين. وقد اطلعت على بحث لنيل شهادة دكتوراه تحت عنوان نزاع الصحراء في إطار الأمم المتحدة، يتطرق إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول الصحراء وجدته مفيدا للقارئ المغربي، وهذه حيثياته مع بعض التعليقات:

في الثالث عشر من دجنبر 1974، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3292 القاضي بعرض مشكلة الصحراء الغربية على محكمة العدل الدولية في لاهاي لبيان رأيها الاستشاري حول مسألتين هما:
– هل كانت الصحراء الغربية قبل الاستعمار الإسباني أرضا لا مالك لها (بلا سيد)؟
– ما هي الروابط القانونية بين هذا الإقليم وبين المملكة المغربية والمجموعة الموريتانية؟
وأمام المحكمة الدولية كان على كل من المغرب وموريتانيا أن يقدما ما لديهما من وثائق تثبت صحة إدعاءاتهما، فالمغاربة يدعون أن لهم حقوقا تاريخية في الإقليم الصحراوي، بينما يعتبر الموريتانيون أنهم وسكان الصحراء الغربية يشكلون شعبا واحدا، وبناء عليه فهم يطالبون بإلحاق جنوب الصحراء الغربية بدولتهم.
أما جبهة البوليساريو التي تطالب ب حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره بنفسه، فقط كانت غائبة رسميا عن مداولات المحكمة الدولية لعدم تمتعها بصفة الدولة

وقد تركزت مرافعات الجانب المغربي على مجموعة من الحجج ، أبرزها:

– وجود رابطة البيعة بين السلطان المغربي وبين سكان الصحراء الغربية.

– تسمية القادة الصحراويين كانت تتم من قبل سلطان المغرب.

– الحماية العسكرية المغربية لقبائل ثكنة الصحراوية.

– مقاومة المغرب للوجود الاستعماري في الصحراء الغربية.

– الشيخ ماء العينين كان يعمل في الساقية الحمراء ممثلا للسلطان، وهو ما لم تأخذ به المحكمة دليلا على وجود سلطة فعلية للسلطان في الإقليم الصحراوي.

– جباية الضرائب من إقليم الصحراء الغربية، لكن المحكمة لم تقع على الدليل الواضح بهذا الشأن.
– حملات السلطان العسكرية في المنطقة الجنوبية من سوس عامي 1882 و 1886. وقد رأت المحكمة أن حملات سلاطين مراكش على سوس في تلك الفترة لم تصل وادي درعة، وبالتالي إلى الصحراء الغربية.
– الامتداد الجغرافي الطبيعي بين المغرب وسكان الصحراء الغربية.

– وجود روابط قومية وثقافية ودينية بين سكان المغرب وسكان الصحراء الغربية.

ومن شواهد الإثبات الداخلية ينتقل المغرب إلى حجج الإثبات الدولية، والمتمثلة بعدد من المعاهدات والاتفاقيات الموقعة بين المغرب وبعض الدول الأجنبية خلال فترة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والتي قدمها المغرب إلى المحكمة الدولية باعتبارها ذات صلة بإقليم الصحراء الغربية، وتشكل مستندا باعتراف دولي بسيادته على ذلك الإقليم.

وقد صنفت المحكمة هذه الوثائق على الشكل التالي:

– معاهدات موقعة مع المغرب، وتتعلق بحماية وتحرير البحارة الذين تتعرض سفنهم للغرق على الشواطئ القريبة من وادي نون، ومثالها الاتفاقية المغربية- الإسبانية المبرمة عام 1767، والتي تؤكد على سيادة السلطان المغربي على وادي نون، لكنها لا تتضمن في رأي المحكمة ما يمكن الاستدلال به على سلطة مغربية على الصحراء الغربية.

– الاتفاقية المغربية- الإنكليزية الموقعة عام 1895 والتي تقر باعتبار الإقليم الممتد من وادي درعة وحتى رأس بوجدور جزءا من الدولة المغربية، لكن المحكمة لم تأخذ بهذا الرأي لتعارضه مع وثائق دبلوماسية وصلتها، توضح بأن الإنكليز كانوا يعتبرون حدود الإقليم المشار إليه في الاتفاقية المذكورة لا تبعد أكثر من وادي درعة. وهنا أعطت المحكمة تأويلها في هذا الشأن خلاصته أن بريطانيا العظمى لم تعترف للسلطان بسيادته، وإنما اعترفت له بمصالح حيوية في تلك المنطقة.

– ثم تأتي المراسلات الدبلوماسية المتعلقة بمعاهدة تطوان الموقعة عام 1860، وكذلك الاتفاق المدعى إبرامه بين المغرب وإسبانيا عام 1900، والذي يقول المغرب عنه أن إسبانيا اعترفت له فيه بالسيادة حتى رأس بوجدور، هذا الاتفاق أنكرته إسبانيا وشككت بوجوده موريتانيا، لذلك رفضت المحكمة الأخذ به.

– المراسلات الملحقة بالاتفاق الفرنسي الألماني الموقع عام 1911، يقدمها المغرب باعتبارها تشكل اعترافا من فرنسا وألمانيا بسيادته على منطقة الساقية الحمراء. وقد رأت المحكمة أن هذه المراسلات لها علاقة بتحديد مناطق المصالح السياسية لفرنسا و ادا ما أخذت كحجة تتعلق بسيادة المغرب على الساقية الحمراء فإن قيمتها تبقى ضئيلة.

وبعد استماع المحكمة الدولية إلى المرافعات الشفهية للأطراف المعنية ودراسة وثائقهم المقدمة، أعطت رأيها الاستشاري في السادس عشر من أكتوبر 1975، وجاء في ستين صفحة، وحفل بالكثير من الآراء الشخصية لقضاة المحكمة.

وحول السؤال الأول الموجه إليها والمتعلق بوضع أرض الصحراء الغربية غداة الاستعمار الاسباني لها وما إذا كانت أرضا لا سيد لها، أجابت المحكمة بأن الصحراء الغربية اعتبارا من عام 1884 لم تكن أرضا سائبة، بل كانت مأهولة بالسكان الخاضعين لسلطة اجتماعية وسياسية يمارسها عليهم شيوخ القبائل.

وبشأن السؤال الثاني، حول طبيعة الروابط القانونية بين الصحراء الغربية وكل من المغرب وموريتانيا، ردت المحكمة الدولية بأن استنتاجها حول طبيعة الروابط القانونية بين هذا الإقليم من جانب وبين كل من المملكة المغربية والمجموعة الموريتانية تختلف بشكل محسوس عن الآراء التي أدلى بها في هذا الشأن كل من المغرب وموريتانيا، ورأي المحكمة بهذه الروابط هو أنها لا تتضمن سيادة إقليمية ولا حتى سيادة كلأ ولا احتواء إقليمي في إطار كيان شرعي، وعليه فإن التداخل الجغرافي المدعى به من قبل الدولتين ليس له بنظر المحكمة الصفة المعارة لها في الأقوال الأنفة الذكر.

كما جاء في رد محكمة العدل الدولية في لاهاي أن العناصر والمعلومات التي وصلت إلى علم المحكمة تدل على وجود روابط قانونية، في حقبة الاستعمار الإسباني، وروابط بيعة )روابط روحية ودينية ( بين سلطان المغرب وبين بعض القبائل التي كانت أراضي الصحراء الغربية مداها الحيوي، وتدل أيضا على وجود حقوق بما فيها الحق المتصل بالأرض، كانت تشكل روابط قانونية بالمعنى الذي تفهمه المحكمة بين المجموعة الموريتانية، وبين إقليم الصحراء الغربية.

وبالمقابل، تستنتج المحكمة أن العناصر والمعلومات المنقولة إلى علمها لا تشكل وجود أي رباط سيادة إقليمية بين إقليم الصحراء الغربية من جهة وبين المملكة المغربية، أو المجموعة الموريتانية من جهة ثانية. فالمحكمة إذا لم تعتبر وجود الروابط القانونية المشار إليها ذات طبيعة كافية لتغيير تطبيق القرار الأممي رقم 1514 من جهة لتصفية إستعمار الصحراء الغربية وبخاصة من جهة مبدأ حق تقرير المصير عن طريق التعبير الحر والشرعي عن إرادة سكان الإقليم.

وقد اعتبرت جميع أطراف المشكلة رأي محكمة لاهاي الاستشاري لصالحها. ففي المغرب، وفور إعلان المحكمة الدولية عن رأيها هذا، سارع الملك الحسن الثاني إلى توجيه خطاب إلى الشعب أعرب له فيه عن سعادته البالغة بهذا الحكم الإيجابي الذي يعترف بوجود روابط قانونية بين المغرب، وبين سكان الصحراء الغربية.

فبالنسبة للمغرب فإن مفهوم البيعة الوارد في رأي المحكمة الدولية هو نوع من الولاء كان قائما بين القبائل الصحراوية وبين سلطان المغرب، ويعتبر من أشكال التعاقد الدستوري بين السلطان ورعاياه، وهو مستمد من شريعة الإسلام ومن الأعراف والتقاليد العريقة التي ارتكزت عليها الدولة المغربية في بسط سلطتها.
وكانت البيعة وسيلة في ممارسة السلطات العليا في الدولة المغربية، وهي تختلف كليا عن المفهوم الغربي للسيادة، لكنها مساوية له تماما من حيث الممارسة العملية. وكانت محكمة لاهاي قد أخذت بالاعتبار تلك الخاصية، فقد ورد في الفترة 94 من رأيها الاستشاري ما يلي: ليست هناك أية قاعدة في القانون الدولي تقضي أن يكون هيكل الدولة على نمط معين، وهذا واضح من تنوع أشكال الدولة في عالم اليوم، وعلى هذا، فإن مطلب المغرب له ما يبرره.

وتأتي الفقرة 95 من رأي المحكمة الدولية لتعطي فكرة أوضح حول هذا الموضوع، ومما جاء فيها: من المؤكد أنه في الوقت الذي استعمرت فيه إسبانيا الصحراء الغربية كان للدولة الشريفية – دولة المغرب – طابعها الخاص، وهذا الطابع الخاص كان ينبع من حقيقة أن هذه الدولة كانت مؤسسة على رابطة الإسلام الدينية التي كانت توحد بين السكان، وكذلك على أساس ولاء القبائل المختلفة للسلطان عبر القادة والشيوخ أكثر منها على أساس مفهوم الأرض.

وهنا يبدو الاختلاف جليا بين المفهومين الغربي والمغربي لمعنى السيادة، فهي في قوانين البلدان الغربية المؤسسة على القانون الروماني تأخذ شكل سيادة ترابية، ترتبط الدولة فيها بالأرض الوطنية مباشرة، بينما هي في الدولة المغربية تعني سيادة شخصية، حيث يقدم السكان ولاءهم عبر ما يعرف بالبيعة لصاحب السيادة ممثلا بشخص السلطان، ويقبلون فيها بالخضوع لسلطاته السياسية والدينية ويكون تأثيره بالأرض من خلال تأثيره في السكان المقيمين عليها.

*
رئيس المركز المغربي للسلام والقانون




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.