ظاهرة التنمر بالوسط المدرسي..الأسباب والتجليات والحلول

ذ عبد اللطيف شعباني *

يعتبر التنمر سلوكا عدوانيا متكررا يهدف للإضرار بشخص آخر عمداً ، جسديا أو نفسيا ، و يهدف إلى اكتساب السلطة على حساب شخص آخر . ويمكن أن تتضمن التصرفات التي تعد تنمرا التنابز بالألقاب ، أو الإساءات اللفظية أو المكتوبة ، أو الإاقصاء المتعمد من الأنشطة ، أو من المناسبات الاجتماعية ، أو الإساءة الجسدية ، أو الإكراه .
و يمكن أن يتصرف المتنمرون بهذه الطريقة كي يُنظر إليهم على أنهم محبوبون أو أقوياء ، أو قد يتم هذا من أجل لفت الانتباه . و يمكن أن يقوموا بالتنمر بدافع الغيرة ، أو لأنهم تعرضوا لمثل هذه الأفعال من قبل الغير .
و يقترح مركز الولايات المتحدة الوطني لإحصاءات التعليم تقسيما ثنائيا للتنمر: تنمر مباشر، وتنمر غير مباشر والذي يُعرف أيضاً باسم العدوان الاجتماعي ، ويتميز هذا الأخير بتهديد الضحية بالعزل الاجتماعي ، وتتحقق هذه العزلة من خلال مجموعة واسعة من الأساليب ، بما في ذلك نشر الشائعات ، ورفض الاختلاط مع الضحية ، والتنمر على الأشخاص الآخرين الذين يختلطون مع الضحية ، ونقد أسلوب الضحية في الملبس وغيرها من العلامات الاجتماعية الملحوظة .
ويلاحظ تسجيل بعض حالات التنمر داخل الوسط المدرسي في بداية كل موسم دراسي ، و تعتبر بعض الخلافات والمناوشات التي تطرأ بين المتعلمين والمتعلمات، بين الفينة والأخرى، بسيطة ومؤقتة وواردة في أي لحظة؛ بالنظر إلى ارتباطها بالتفاعل الدائم بين الأقران، والتنافس المستمر بين أفراد “جماعة القسم”، كما أن بلوغ هذه السلوكيات درجة التنمر والاعتداء يخلف انعكاسات سلبية على العملية التعليمية، ويثير تساؤلات حول الإجراءات الممكن اتخاذها، إما بهدف تحقيق الوقاية الاستباقية، أو من أجل معالجة آثار هذه الظاهرة المدرسية.

وفي هذا الإطار، دعت وزارة التربية الوطنية، في مذكرة حول “التصدي للعنف والسلوكيات المشينة بالوسط المدرسي”، إلى “الإعمال المكثف والمنسق والناجع، في إطار رؤية شمولية ومندمجة، لمختلف الآليات والإجراءات المعتمدة في إطار الإستراتيجية الوطنية للوقاية والحد من العنف ضد الأطفال المتمدرسين، وتطبيق إجراءاتها الوقائية والعلاجية، ومختلف تدابيرها التربوية والبيداغوجية والأمنية، بما في ذلك التفعيل الأمثل لأدوار مختلف الأندية والوحدات المدرسية المعنية، وخاصة مجالس المؤسسات، ومراكز رصد العنف بالوسط المدرسي، ومراكز الاستماع والوساطة، وخلايا اليقظة .

أسباب التنمر المدرسي:

إن التنمر والعنف اللفظي والجسدي لفرض الذات ومحاولة إخفاء ضعف الشخصية ظاهرة قديمة، لكنها استفحلت بشكل لافت للانتباه في السنوات الأخيرة ، وتهم تلاميذ التعليم الخصوصي والعمومي على حد سواء، وتحتدم بشكل واضح مع بداية الموسم الدراسي وخلال فترات الامتحانات كما يرتبط التنمر داخل الوسط المدرسي مرتبط بعدة أسباب، من بينها الحقد والكراهية والإحساس بالدونية الناتج عن التفاوتات الاجتماعية والثقافية، والفشل الدراسي والرغبة في التمرد على التلاميذ المتفوقين والاستهزاء من المتعثرين، ومحاولة التنقيص من شأن المتعلمين المنحدرين من وسط فقير أو من القرى والبوادي،

ويجب الحد أو التخفيف من التنمر والاعتداء داخل الفضاء التربوي من خلال استرجاع الهيبة المفقودة للأستاذ كمربّ ومدرس من جهة، وللإدارة التربوية من جهة ثانية، من خلال احترام قرارات المجالس التربوية، إضافة إلى ضرورة توفير أطر الدعم النفسي والاجتماعي داخل الوسط المدرسي، وضمان العيش الكريم للجميع”.

تجليات التنمر المدرسي:

وقد أكد الأستاذ عبد الرزاق الفراوزي رئيس مركز الدراسات والأبحاث في التربية والتكوين أن “ظاهرة التنمر المدرسي من الظواهر القديمة والمتكررة التي تعرفها كل البيئات المدرسية عبر العالم، بغض النظر عن نسبة حضوره بين بيئة مدرسية وأخرى”، مضيفا أن “التنمر فعل عدائي، ونوع من المضايقة والاعتداء والتفاعل السلبي بين المتعلمين، ويقوم على فكرة الهيمنة الاجتماعية”.

كما يرى ذات المتحدث أن المربين وعلماء النفس يرون أن التنمر سلوك عدواني متعمد ومقصود من لدن تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، يتأسس على اضطرابات نفسية واجتماعية ورغبة في التحكم والسيطرة لدى المُتنمِّر، وله أشكال متعددة منها التنمر الجنسي، العنصري، الإلكتروني، الجسدي، اللفظي…، ويتم فيه توظيف التهديد أو التوبيخ أو السب والشتم، أو الاحتكاك الجسدي كالدفع واللطم والركل، وله انعكاسات تربوية واجتماعية ونفسية…على طرفي العملية، أي المتنمِّر والمتنمّر عليه”.

وأفاد الفراوزي بأنه “من خلال التعريف البسيط والدقيق المذكور يمكننا استنتاج أن التنمر المدرسي له أعراض خطيرة على المستوى النفسي والاجتماعي، يمكن أن تؤدي، خاصة بالنسبة إلى الضحية، إلى الانعزال والكآبة، وإلى استدعاء الأفكار الثقيلة ذات المنحى الانتحاري”، مشيرا إلى أن “هناك دراسات متعددة، غربية وعربية، تشير إلى ارتفاع منسوب الأفكار الانتحارية لدى ضحايا التنمر”، ومؤكدا أن “للتنمر انعكاسات على المستوى التربوي/ التعليمي أيضا، تتمظهر من خلال كثرة التغيبات، ما يؤدي إلى ضعف المستوى المعرفي والتقهقر الدراسي، ومن ثمَّ الفشل الدراسي وصولاً إلى التسرب والهدر المدرسيين”.

وسائل حلول الظاهرة :
:
وعن الآليات التي تعتمدها الوزارة من أجل التصدي لهذا النوع من الاعتداءات التي تطال المتعلم على يد أقرانه، قال عبد الرزاق الفراوزي: “أعتقد أن مصطلح التنمر المدرسي غير وارد في أدبيات وزارة التربية الوطنية، إذ تتحدث الوزارة عن ظاهرة العنف بشكل عام، والتنمر المدرسي هو عنف لفظي أو جسدي أو نفسي أو إلكتروني من تلميذ أو أكثر تجاه تلميذ؛ وعليه فمصطلح التنمر يمكن إدراجه ضمن باب العنف عموماً”.

نجاعة آليات التصدي للظاهرة:

أكد الأستاذ عبد الرزاق الفراوزي على أن “الوزارة واعية أتم الوعي بخطورة الظاهرة وأضرارها النفسية والاجتماعية والتربوية والتعليمية على الناشئة، ومُدركة، كذلك، لحجم انعكاساتها على المنظومة التربوية”، مضيفا أنها “أصدرت مجموعة من الدلائل المنهجية لفائدة خلايا اليقظة، وطرحت فيها إجراءات التشخيص ومنهجية التدخل، وآليات الدعم النفسي والاجتماعي لضحايا العنف بشكل عام”.

وذكّر رئيس مركز الدراسات والأبحاث في التربية والتكوين بأن “وزارة التربية الوطنية قدمت إستراتيجيات لمناهضة العنف بالوسط المدرسي والوقاية منه، بما في ذلك التنمر المدرسي، كما ضمنت المنهاج التربوي وحدات تربوية لمكافحة العنف في الوسط المدرسي، وغيرها من الآليات التي تقارب الظاهرة وتقدم بعض الحلول الإجرائية للحد منها”.

اعتبر عبد الرزاق الفراوزي الظاهرة متشعبة ومعقدة ولها تداعيات أمنية ونفسية واجتماعية ومؤسساتية…وتتطلب تكاثف الجهود بين كل الفاعلين التربويين والاجتماعيين وشركاء المدرسة وغيرهم، لذلك رغم المجهودات المبذولة في هذا الباب إلا أن الظاهرة مازالت منتشرة بين صفوف التلاميذ لأسباب كثيرة، إذ أسهمت التكنولوجيا في إبداع أشكال أخرى من التنمر”.

و أكد الأستاذ عبد الرزاق الفراوزي على أنه يجب تنويع المقاربات التربوية والاجتماعية والتشريعات القانونية الزجرية والبيداغوجية، ولا بد من وضع خطط عملية طويلة المدى يسهر عليها متخصصون في المجال، تقوم على البحث في أسباب الظاهرة وكيفية انتشارها وتمظهراتها، وإشراك الإعلام والأسر وجمعيات المجتمع المدني.

*مدير ثانوية اعدادية
مديرية خريبكة




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.