جريدة فاص
نعيش هذه الايام أجواء الاحتفال يوم عاشوراء ،(العاشر من محرم) ،والذي شهد أحداثا تاريخية عظيمة معظمها له دلالات دينية لدرجة قد يحتار العقل كيف كتب لكل هذه الأحداث أن تقع في اليوم العاشر من محرم، ومما يروى عن هذا اليوم كونه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي نجى الله فيه نوحا وأنزله من السفينة، وفيه أنقذ الله نبيه إبراهيم من الطاغية نمرود، وفيه رد الله يوسف إلى يعقوب، وهو اليوم الذي أغرق الله فيه فرعون وجنوده و نجى موسى وبني إسرائيل، وفيه غفر الله لنبيه داود، وفيه وهب سليمان ملكه، وفيه أخرج نبي الله يونس من بطن الحوت، وفيه رفع الله عن أيوب البلاء وهو اليوم الذي قتل فيه حفيد النبي وثالث أئمة آهل البيت الإمام الحسين بن علي في كربلاء!!! .
نظرا لما لهذا اليوم من شحنات دينية فالمغاربة جعلوا هذا من هذا اليوم ملتقى لكل التناقضات :الفرح والحزن، والماء والنار، العبادة والشعوذة،الالتزام والحرية، السنة والشيعة …. فأين يتجلى كل ذلك في احتفالات المغاربة بعيد عاشوراء :
والعادات في المغرب تتنوع وتختلف من مدينة الى اخرى ،وترتبط بعدة طقوس نذكر منها :
الاستعمال المفرط للمتناقضين الماء والنار من قبل الأطفال
قبل الأطفال خاصة (الشعالة ) و ( زمزم) ليلة 9 محرم حيث يتم إشعال النار في مختلف الأحياء ، ويجمعون اطارات السيارات وأغصان الأشجا ( السدر والطلح والزيتون البري ..) ويفقلون عائدين و يرددون عبارات مثل ( طايفة تمشي وتجي على قبر مولاي علي ) وليلة التاسع من شهر محرم تخرج القبيلة عن بكرة أبيها للاستمتاع بالشعالة والتباهي بأكبر شعالة وبمن يستطيع القفز فوقها أولا، والعمل على إطالة أمدها مشتعلة، وكثيرما كنا نسمر بالقرب منها إلى أوقات متأخرة من الليل، وفي صباح اليوم الموالي ينقلب الوضع من النار إلى التراشق بالماء (زمزم) وهو طقس لا علاقة له بالبئر زمزم.
و إذا كان يوم عاشوراء في عدد من بلدان المشرق العربي(العراق خاصة ) مرتبط بالحزن والبكاء (عند الشيعة الذين يعتبرونه يوم العزاء في الحسين ) ،فإن المغاربة يمزجون بين الفرح الحزن في هذه المناسبة : يظهر الحزن في بعض الأهازيج التي تبكي على ( بابا عاشور) الذي ذهب ليصلي وسقط في النهر (بابا عاشور مشى يصلي وداه الواد ) ،وترك كالعذارى تبكي عليه ( واحي على عيشوري،عليك نتفت شعوري)، وقد تتجلى بعض مظاهر الحزن في زيارة المقابر لكن حزن المغاربة منحصر في الغناء والأهازيج فقط، إذ مظاهر الحياة أيام عاشوراء تعج بالأفراح والهدايا والآكل وتزين النساء بالكحل وبأحلى الملابس ويخضبن أيديهن وأرجلهن وشعرهن بالحناء ( عيشوري عيشوري وعليك دليت شعوري ) كما تغص الأزقة والدروب ليلا ونهارا بمجموعات من الشابات والشبان يضربون بالتعاريج والدفوف والبنادر يردون أغاني خاصة بالمناسبة، دون أن يفرض على الفتيات أي قيد أو شرط فالمناسبة مناسبة حرية الفتاة (هذا عاشور ما علينا الحكام أللا.. فعيد الميلود كيحكمو الرجال أللا…).
وما يميز عاشوراء بالمغرب ايضا الصوم والأكل، ففي الوقت الذي يفضل فيه البعض صيام يوم عاشوراء، يكون لليوم مأكولات خاصة حيث تمتلئ الأسواق بالتمور والفواكه الجافة من تين وتمر وجوز ولوز وكاكاو وحمص وحلوى، وهذه الفواكه معروفة عند عامة الناس في المغرب بـ“الفاكية”، ويخلق إقبال الناس على شرائها رواجا كبيرا حيث يعتبر اقتناؤها لدى الأسر المغربية أحد لوازم الاحتفال، ويعد استهلاكها وتفريقها على الأهل والجيران وأطفال الحي مظهرا من مظاهر الاحتفاء بعاشوراء. بالإضافة إلى الفواكه الجافة يخص المغاربة المناسبة بأكلات خاصة أهمها الذيالة والكسكس بسبع أخضاري، أو هربر والتريد والدجاج البلدي والرفيسة والقديد .
على الرغم من كون يوم عاشوراء يوم دين بامتياز، فإنه يعرف أيضا إقبالا كبيرا على الشعوذة والسحر، فإذا كان الدين يتجلى في الصوم وإخراج الزكاة (تزكية المال والأنعام بالتصدق بعشر الأموال التي مر عليها حول كامل ) فإن مظاهر السحر والشعوذة في هذا اليوم متنوعة إذ يكثر الإقبال على العطارين وبائعي البخور، وتكون الشعالة مناسبة للإحياء بعض هذه الطقوس .
و الأكيد أن العديد من المسلمين يدركون الطقوس الشيعية في هذا اليوم خاصة ما يرتبط بالحزن والبكاء على الحسين ، و إن كان هذا الحزن عند الشيعة يتخذ مظاهر تتجاوز الحزن إلى جلد الذات، فإن في بلد سني كالمغرب يقتصر الحزن على الأهازبج وبعض أغاني المحتفلين، مع حضور قوي لمظاهر الفرح، خاصة فرح الأطفال، فتكاد تكون عاشوراء مناسبة الأطفال بامتياز، ومناسبة تجمع بين أحزان الشيعي، والفرح السني الهادف.
كما ترتبط هذه المناسبة بالألعاب والمفرقعات خاصة، فمنذ كنا صغارا كانت عاشوراء منسبة للاحتفال بالمتفرقعات ولم يمن متوفرا آنئذ سوى الكاربون : نحفر حفرا صغيرة في الأرض نصب قليل من الماء ونضع قطع الكاربون ونغطي الكل بكأس قصديرا ( غالبا ما كان معبئات حليب بوريسما مثقوب ) نقفل الثقب وننتظر دقائق وبعد أن يشتد الضغط بالداخل نشعل الثقاب ونضع على الثق لينفجر الكاربون قاذفا بالكأس القصديرية بعيد محدثا صوت انفجار لنتسابق بحثا عن الكأس لمعودة المحاولة، اليوم تنوعت المفرقات الصينية ….ما تغلغلت في التقاليد المغربية ربط مناسبة عاشوراء لشراء الألعاب والهدايا الىلات الموسيقية والألعاب الإليكترونية .. للأطفال
هذه بعض الملاحظات حول احتفال المغاربة بعيد عاشوراء، وإن كنا رصدنا بعض ملامح الاحتفال فإننا لم نستطع البحث في الأسباب، إذ يصعب على المتتبع معرفة لماذا يقبل المغاربة على الفواكه الجافة في هذه المناسبة دون غيرها ؟؟ وما دلالة حضور النار والماء في يوم عاشوراء؟؟ ولماذا يختلط في احتفالات المغاربة ماهو شيعي بما هو سني بطريقة تكاد لا تتوفر إلا عند المغاربة ؟؟؟
عبد اللطيف شعباني بتصرف