سعاد السبع
الخريف…
ذلك العابر المتأني،
الذي يدخل المدن والقلوب
على أطراف الغيم
يترك وراءه موسيقى من أوراقٍ صفراء …
تتساقط كاعترافاتٍ متعبة
وكأن الأشجار …
قررت أن تتخفّف من ذنوبها
وتعترف علنا…
أمام الريح …
بما كتمته طوال الصيف
الخريف…
فصل يشبه شاعرا عجوزا
يعزف على آلةٍ من الريح
أنشودةَ الفقد
ويترك للسماءِ أن تمسح ملامحَهُ بقطرات متقطعة
لا هي مطرٌ كامل…
ولا هي جفافٌ كامل،
بل حالةٌ معلّقة …
بين الوصل والفراق
هو زمنٌ تتبدّل فيه الألوان …
كما تتبدّل أحوال البشر
فيتحوّل الأخضر إلى أصفر
والأصفرُ إلى بُنيٍّ باهت،
كأن الطبيعةَ …
تعيد كتابة سيرة العمر
الطفولة ربيع،
والشباب صيف،
والكهولة خريف،
و بصمت الشتاء في الخريف
تتعلّم الأرض درس التواضع
لتتخفّف الأشجار من زينتها
كما لو أنّها أدركت…
أن البقاء في العُري …
أنبل من الادعاء بالامتلاء
وأن التخلّي أحيانا…
هو شكلٌ آخر من أشكال الامتلاء
الخريف…
يعلّمنا أن الجمال…
لا يقيم دائما في الازدهار
بل قد يقيم في الذبول البهيّ
في الحزن …
الذي يلمع …
تحت أشعة شمسٍ خجولة
وصوت أوراقٍ تُدهس تحت الأقدام
لتُحدث موسيقى…
أقرب إلى الهمس القديم
إنه فصل الانتظار
حيث الأيام تسير ببطء شفيف
كأنها تعدّ نفسها لامتحانٍ داخلي
كأن الزمن…
يتوقف قليلا ليتأمل…
وجهه في مرايا الغيوم الرمادية
الخريف يذكّرنا…
أن الحياة…
لا تسير في خطٍّ مستقيم،
بل في منحنيات …
تتقاطع فيها البدايات بالنهايات
إنه يقول للإنسان:
كما تسقط الأوراق…
لتُخصب التربة
عليك أن تتخفّف …
أنت أيضا من ثِقَل الذكريات
كي تُنبت في داخلك ربيعا آخر
أيتها الأشجار…
التي تنحني للريح
أيها الغيم الذي يمرّ كالعابر الغامض
أيها النهار الذي يقصر…
كأنّه يخجل من نفسه
علّمونا كيف يكون الفقدُ …
شكلا من أشكال الجَمال
وكيف نتحوّل نحن…
أيضا إلى قصائد صامتة
معلّقة بين الصيف والشتاء
الخريف ليس موتا…
بل وصيةُ الأرض لنفسها
أنّ النهاية…
ليست سوى مقدمةٍ لبداية أخرى
وأنّ كل اصفرار …
يخفي في عمقه أخضرَ مؤجلا
وأنّ الحزن …
ليس سوى قشرة رقيقة
تخفي بذورَ الفرح القادم
يا خريف…
يا شاعر الفصول،
يا موسيقى الغياب،
يا ظلّا يعلّمنا …
كيف نحب الحزن بلا خوف
وكيف نقرأ الجَمال…
في صفحةٍ ذابلة
وكيف ننصتُ للريح…
وهي تحكي
بصوت مبحوح
قصةَ العمر …
التي تتكرر كل عام
لكننا لا نملّ من دهشتها
25/09/2025

