صناعة الرأي العام : بين الإعلام المحلي والتواصل المباشر

عبد اللطيف شعباني

إن الرأي العام من “القوى” البارزة التي بدأت في القيام بدور بارز في السياسات المحلية ، وبلغ ذروته مع مطلع القرن الجديد.. حيث أشارت دراسات عديدة إلى أن الكثير يديرون كثيراً من القضايا وفقاً لتوجهات الرأي العام إزاءها ، ومن الأهمية دراسة أهم خصائص الرأي العام ما بين الضعف والقوة، وتوزيعات الرأي العام وتأثيرها في مجال صناعة القرارات، وكذلك الأساليب التي يتم استخدامها في إقناع الرأي العام بتوجهات الإدارات السياسية المختلفة.
وفي ظل نمو وسائل الإعلام الجديدة بات الجمهور قائما بالاتصال بل واستطاع امتلاك أدوات للاتصال الجماهيري ، والتي يعبر من خلالها عما يجيش في وجدانه، كما أتاحت هذه الوسائل حرية أكبر للتعبير والتفاعل المفتوح والتشارك المستمر في المعلومات وبسرعة وفورية في نقل الأحداث؛ مما يساعدها على التدخل بصورة أسرع وقت الأزمات، الأمر الذى يؤكد أهمية دراسة الرأي العام وتسليط الضوء على آليات صناعته ، باعتباره أداة ووسيلة يتم الاعتماد عليها خلال الأزمات للتأثير على الجمهور بأساليب عديدة مباشرة وغير مباشرة.
بالرغم من شيوع مصطلح الرأي العام على ألسنة الكتاب والباحثين والسياسيين وفي المناقشات العامة والاتصال الجماهيري إلا أنه كانت هناك اختلافات أفضت إلى عدم شيوع تعريف بعينه له
من ناحية اللغة يتكون مفهوم الرأي العام من كلمتين: الرأي – العام، وكلمة الرأي لغة : الاعتقاد والعقل والتدبر والنظر والتأمل ( المعجم الوسيط)، والعام لغة : فتقال للعام من كل أمر وهي اسم جمع للعامة وهي خلاف الخاصة
واصطلاحا تعني كلمة (رأي) الاعتقاد بوجهة نظر يؤمن الفرد بصحتها وإمكانية تحقيقها إلا أنه لا يصل في إيمانه بصحته أو إمكانية تحقيقه لدرجة اليقين. أما كلمة (عام) فتعني جماعة من عامة الشعب أو جماعة الغالبية في مكان ما .
والمعنى العام للتركيبة هو: جماعة مصلحة بينها قاسم مشترك تتفق على قناعة حول مسألة تثير اهتمامهم ، أو تدفعهم إلى تبني موقفا مشتركا بينهم (أو بين نسبة مؤثرة منهم) ويتصف موقفهم بالعلنية، والرأي العام من القضايا التي تداولتها عدة علوم اجتماعية ، ولذا اختلفت رؤية كل علم له عن نظرة غيره له، وقد تمثل هذا الاختلاف في طبيعة العلم ، هل هو يهتم بالفرد أم بالجماعة أم بالجماهير؟
كما تناول علماء النفس الرأي العام كظاهرة فردية ،ح ولذلك ركزوا الاهتمام على: كيف يكون الفرد رأيه؟ وما علاقة الرأي بالاتجاه والقيم والمعتقدات؟
أما علماء السياسة فقد تمثل اهتمامهم بالدور الذي يلعبه الرأي العام في اتخاذ القرار السياسي ، حيث يعتقدون أن وجود حكومة ناجحة يستلزم أن تلعب الجماهير دورا مهما في تحديد السياسة العامة ، بينما ركز علماء الاجتماع على كون الرأي العام نتاجا جمعيا واضحا لنا ، وهو النتاج النهائي لعملية التفاعل الاجتماعي داخل الجماهير.
ومن ثم فالرأي العام هو الرأي السائد بين جماعة من الناس إزاء قضية أو مشكلة تمس مصالحهم أو قيمهم تم التوصل إليه بعد نقاش وصراع للآراء والأفكار الهدف منه الوصول إلى من بيدهم القرار بشأن تأييد أو معارضة قرار ما 3
تلعب صناعة الرأي العام المحلي دوراً محورياً في توجيه القرارات المجتمعية وتعزيز المشاركة في الشأن العام. فالمواطن اليوم لم يعد مجرد متلقٍ سلبي للأخبار، بل أصبح فاعلاً أساسياً يتأثر ويؤثر في محيطه عبر وسائل متعددة، من أبرزها الإعلام المحلي، وشبكات التواصل الاجتماعي، والمجالس الجماعية واللقاءات المباشرة.

وتقوم وسائل الإعلام المحلية بدور أساسي في نقل انشغالات الساكنة وإبراز قضاياهم، حيث تُعد قناة رئيسية لطرح النقاش العمومي، وتسليط الضوء على مشاكل كالبنية التحتية، الصحة، التعليم، والخدمات الاجتماعية. وفي المقابل، يساهم المواطن عبر تفاعله وتعليقاته ومشاركته في صياغة توجهات النقاش وإعطائه الأولويات.

كما أن المجالس المنتخبة والفعاليات الجمعوية تشكل فضاءً آخر للتأثير في الرأي العام، من خلال طرح المبادرات وتنظيم اللقاءات التشاورية التي تعزز ثقة المواطن في مؤسسات بلده. غير أن التحدي الأكبر يظل مرتبطاً بمدى مصداقية المعلومة، ومحاربة الأخبار الزائفة التي قد تؤدي إلى توجيه الرأي العام في مسارات مغلوطة.

إن صناعة الرأي العام المحلي ليست مسؤولية الإعلام وحده، بل هي ثمرة تفاعل متكامل بين المواطن، المؤسسات، والإعلام. ومن شأن هذا التفاعل أن يعزز الديمقراطية التشاركية، ويجعل من صوت المواطن أداة مؤثرة في رسم السياسات المحلية وصناعة القرار.




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.