الاستغباء الواعي… ذكاء بملامح الغباء

عبد اللطيف شعباني

الاستغباء الواعي هو مهارة تعمد إظهار قلة فهم أو سذاجة في مواقف معينة، ليس جهلاً ، بل كاستراتيجية متعمدة لتجاوز المشاكل، والحفاظ على راحة البال، وتجنب الصراعات، والتقليل من ضغوط الحياة، وتحقيق أهداف شخصية أو اجتماعية.
يُعتبر الاستغباء الواعي أسلوباً من أساليب الذكاء الاجتماعي، وفيه تتغاضى عن بعض المواقف والأشخاص لتجنب المشاكل، وتحقيق التوافق في العلاقات، أو حتى للحفاظ على الطاقة النفسية.
ففي زمن تتسارع فيه الأحداث وتتداخل فيه المصالح، برز مفهوم جديد في السلوك الإنساني يُطلق عليه “الاستغباء الواعي”. وهو ليس غباءً بالمعنى الحرفي، بل أسلوب متعمد في التعامل مع المواقف يقوم على التظاهر بالبساطة أو الجهل، في حين أن صاحبه يدرك تماماً ما يجري حوله.

أمثلة من الحياة اليومية:

في العمل: قد يتظاهر الموظف بعدم معرفة تفاصيل معينة، حتى يتجنب الدخول في مسؤولية إضافية، أو يترك مديره يشرح الفكرة أكثر فينكشف الغموض من تلقاء نفسه.

في المدرسة: التلميذ قد يتجاهل تعليقاً ساخراً من زملائه، فيُظهر نفسه غير مبالٍ، وهو في الحقيقة يتفادى الصدام ويحافظ على تركيزه.

في السياسة: كثير من المسؤولين يتعمدون إظهار الجهل ببعض التفاصيل أمام الإعلام، إما لعدم إثارة الجدل، أو لكشف مواقف الخصوم وتركهم يتحدثون أكثر مما ينبغي.

في العلاقات الاجتماعية: أحياناً يتغاضى الشخص عن هفوات صديقه أو كذب صغير من قريب له، وكأنه لم يفهم، حفاظاً على الود وتجنباً للخلاف.

حدّان متقابلان

الاستغباء الواعي يُستعمل أحياناً كآلية دفاعية لتفادي الدخول في نقاشات حادة أو مواقف محرجة، وأحياناً أخرى كأداة ذكية للمناورة وكشف نوايا الآخرين. كثيرون يعتبرونه نوعاً من الذكاء الاجتماعي الذي يمنح صاحبه القدرة على التحكم في المواقف.

غير أن هذا السلوك قد يتحول إلى سلاح ذي حدين: فبينما يحمي صاحبه من التورط، قد يفقده في المقابل ثقة الآخرين إذا ما اكتشفوا أنه كان يتعمد الإخفاء والتظاهر.

إن الاستغباء الواعي ليس ضعفاً أو عيباً، بل هو مهارة حياتية تحتاج إلى توازن، تُستخدم في الوقت المناسب وبالقدر المناسب، حتى تتحول من مجرد “مراوغة” إلى فن من فنون الذكاء العملي.




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.