الإسهال الفكري….السؤال الحقيقي ليس كيف تبدو.. بل ماذا تضيف؟؟

بقلم سعيد حجي

الاسهال الفكري هو ان يقيمك احدهم انطلاقا من لباسك او هندامك الغير متناسق، ان يضع حولك قوسا من الافتراضات الجاهزة فقط لان قميصك ليس مكويّا كما يجب، او لان حذاءك لا يحمل توقيعا لعلامة تجارية فاخرة…
اننا في مجتمعات تجهل تماما كيف ترى الانسان، فتستعيض عن جوهره بمقاييس زائفة. وقديما قال الفيلسوف البولندي ليشيك كولاكوفسكي: “حين نفقد الايمان بالمعنى، نبدأ في تعويضه بالزينة”… وهذا تماما ما يحدث، اذ تتراكم الزينة على حساب القيمة، وتضيع الحقيقة في فوضى الصور.
الهندام اصبح اشبه بجواز مرور لا علاقة له بالمضمون. يمكن لشخص ان يرتدي بدلة انيقة ولا يحمل من الرقي سوى ما يشبه ورق التغليف الفاخر، بينما آخر يلبس البساطة كلها ويحمل فكرا لو وزع على حشود المتكلفين لأسكتهم طويلا…..
في مجتمعاتنا، لا زلنا نحاكم الاشياء بظواهرها، وما زلنا نختزل الانسان في ما يلبسه لا في ما يقوله، في ساعته اليدوية لا في توقيته الفكري. وقد اشار عالم الاجتماع بيير بورديو الى ان الذوق نفسه ليس بريئا، بل هو انعكاس لبنية اجتماعية تنتج التفوق من خلال الرمز، وليس من خلال الكفاءة..
كلما صمت من لا يملك بذلة، وتكلم من يملك حقيبة جلدية، كانت تلك علامة على ان المجتمع يعاني اختلالا في توازناته الرمزية. يصبح الذكاء عندها مجرد لهجة متعالية، والفكر عنوانا محجوبا خلف ما يُلبس لا ما يُفكر…
الاسهال الفكري، هو ان تفيض الاحكام دون منطق، ان نعيش تحت وقع المقارنة الدائمة، لا بين الافكار بل بين الاحذية. ان نربط الاحترام بدرجة الاناقة، وان نصغي اكثر للذي يبدو اغنى، لا للذي يبدو افهم…
المفارقة ان الفلاسفة الكبار، من امثال سيمون فايل وإيفان إيليتش والبير قصيري ، لم يكونوا يرتدون شيئا يميزهم عن الناس، لكن افكارهم اخترقت قرونا كاملة. في حين ان اصحاب البدل المصقولة في زمننا لا يتركون وراءهم سوى عطور تختفي بعد دقائق…
السؤال الحقيقي ليس كيف تبدو، بل ماذا تضيف. ومتى نكف عن استبدال الفكر بالديكور، ونفهم ان افواه البعض اغلى من احذيتهم، وان بريق الروح لا يلمع تحت ضوء الثريات…
حين نعيد ترتيب سلم الاحترام، ونضع الكلمة في مكانها، والافكار في ميزانها، سنكف عن تقييم العقول بربطة العنق، وسنبدأ ربما في خلق مجتمعات تعترف بالمعنى لا بالمظهر، وبالعمق لا بالقشرة.




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.