موقع السيرة الذاتية.. بينَ ذَاتيةِ الإبداعِ وضَوابِطِ النَوعِ الأدبيّ

 

جريدة فاص

عبد اللطيف الشعباني

يُعتبر فن السيرة الذاتية أحدَ الفُنونِ ذَاتَ الطابَعِ الخَاص في الكِتابةِ النثرية، باعتباره نوعاً أدبياً يجمعُ بين التحري التاريخي، واستقصاء مسيرة حَياة إنسان ورسم صورةٍ دَقيقة لشخصيتهِ، مما يجعلهامثار اهتمام من قبل الباحثين لعدة اعتبارات وهي  الشخصية التي تدور عنها السيرة الذاتية، سواءٌ أكانَ هُوَ الكاتب لها، أو شخصاً آخَرَ يَكتُبُهَا عنهُ، فيجدر أن تكون هذه الشخصية على قدرٍ من الأهمية بحيث يُقبِل الناسُ على قراءتها؛ فبقدر ما تكون الشخصية مهمةً وثريةً ومُؤثرةً في سياقِهَا التاريخي، ووفق قوة هذه المُتغيّرات تكون أهمية السيرة الذاتية، ومؤثرات على تلقيها لدى القارئ.

والفترة التاريخية التي تتناولُها السيرة الذاتية، فالسيرة الذاتية الشخصية ليبست منبتة الصلة عن الفترة التاريخية التي تدورُ فيها أحداثُ ووقائع حياة الشخصية المُتناوَلَة صاحبةِ السيرةِ؛ فهَذهِ الأحداثُ تَجعَلُ ما يُكتُب من سِيرةٍ ذَاتيةٍ تدورُ في فَترةٍ معينة، لهَا أهميةٌ خاصَّةٌ عن غَيرِها مِن سِيَرٍ رُبما دارَت أحداثُها في فَتراتٍ أخرى، وذلك بخلاف ما يُكتَب عن الفَتراتِ التَاريخية المتسمة بالهدوءِ والاستِقرارِ وعدم التحول، وهو أمرٌ قد لا يَكونُ للمُؤلِفِ أو للشَخصيةِ الرَئيسيةِ في السيرة الذاتية، دخلٌ فيهِ..

ثم تحديد الإطار الذي تُقدّم به سيرة ذاتية ما تتمثل في طريقةِ تَقديمِ السيرة الذاتية، وأسلوب التقديم، والطريقة التي تتوسطُ بِها الشخصية الرئيسية التي تدور حولها السيرة الذاتية، العمل، للوصولِ إلى القارئ، ما يُؤدي إلى تنوُّعِ أساليب وطرائق سرد السيرة.

إنَّ أحدَ الأسبَابِ التي تكتُبُ لسيرةٍ مَا البقاء الأدبي والوصول للقراء هي الطريقة والأسلوب والكيفية التي يتم تقديمها بِهَا، هُناكَ مَن يُقدِّمُهَا على شكل الرواية من أحداث وشخصيات، وتكون الشخصية الرئيسية هي الراوي ذاته مباشرة، أو شخصية يركز عليها الراوي، أو يكون الراوي بضميرِ الغَائِبِ مع التَركيزِ على الأوضاع المحيطةِ بالشخصية الرئيسية وإظهارِهَا على هيئة الشخصية المُسيرة التي دفعتها ظروفها إلى اتخاذ راراتها، أو غيرها من أشكال الرواية، وقد تتخذُ السيرةُ أسلوبَ اليَومياتِ ، كما قد تأتي الكتابةُ الكتابة على هيئة (التداعي الحر)- وهو المصطلح المعروف في الطب النفسي، على هذه الصيغة التي يسترسل الكاتب فيها ناهلاً الأحداثَ من الذاكرة، أو غيرها من أساليب وأشكال الكتابة المتنوعة.

إن  السيرة الذاتية من الفنون الثرية التي أثرت وجدانَ ومخيلة المتلقينَ بأعمالٍ حفرت في وجدانهم عميقاً وأضاءت لهم على صورة العصور التي عاش فيها مؤلفوها، بتفاصيلها ومفترقاتها وقضاياها، وإن الذاكرة الأدبية العربية لا يمكن أن تنسى أعمالاً مثل (الأيام) للدكتور طه حسين، و(أنا) لعباس العقاد، و(حياتي) لأحمد أمين، و(عصفورٌ من الشرق) و(يوميات نائب في الأرياف) لتوفيق الحكيم، وفي مراحل لاحقة على ذلك (وقفة قبل المنحدر) لعلاء الديب، والسيرة الذاتية الثرية للمفكر الكبير – صاحب الموقف الذي دفع أثماناً كبيرةً له في حياته د. عبدالوهاب المسيري في سيرته (رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر)، ولا يمكن تناول السيرة الذاتية كفنٍ دون التوقف أمام تجربة محمد شكري الجريئة والمغامرة (الخبز الحافي)، والتي أسست وحدها توجهاً جديداً في هذا الفن وثيق الصلة بأدب الاعتراف.

جريدة فاص

 

http://www.fasse.ma




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.