سجن النشوة…

ذ صالح اليوسفي

كانت ليلى تعيش في حي فقير، محاصرة بالبؤس من كل الجهات. كانت طفولتها عبارة عن سلسلة من الخيبات، تنقلت فيها بين صرخات أبيها الثمل وأحزان أمها الغارقة في الكآبة. عندما بلغت مراهقتها، ظنت للحظة أن كمال، ذلك الشاب الذي عرفته صدفة في الحي، قد يكون مخرجا من عتمتها، لكنه كان بوابة لجحيم جديد.
قدم لها كمال أول جرعة من المخدرات في ليلة مشؤومة، وقال لها: “جربي هذا، ستنسين كل شيء.”
كانت البداية مجرد تجربة، لكنها سرعان ما أصبحت عادة، ثم إدمانا، ثم لعنة لا مفر منه. مرت السنوات، وكبرت ليلى جسديا، لكنها بقيت سجينة لطفلة داخلها تبحث عن الأمان. حصلت على وظيفة متواضعة في مكتب صغير، لكنها لم تستطع الهروب من قيود الإدمان. كانت تخفي سجائرها في جيب معطفها، وتدخن في الحمام، مدعية أن كل شيء على ما يرام.
ذات يوم، اكتشف زميلها في العمل سرها. لم يستطع إخفاء اشمئزازه، وسرعان ما عرف الجميع بحالتها، طردتها مديرة المكتب بعد مواجهة قاسية، وقالت لها بحدة: “أمثالك لا مكان لهم هنا.”
خرجت ليلى من المكتب تحت المطر، شعرت حينها وكأن السماء تبكي على حالها. حاولت الاتصال بكمال، الذي كان مصدرا لوعود كاذبة، لكنه تجاهلها. لقد تجاوزها كما يتجاوز الناس أشياء انتهت صلاحيتها. في تلك الليلة، جلست ليلى وحدها في غرفتها المظلمة، محاطة بالزجاجات الفارغة وعلب السجائر المبعثرة. نظرت إلى نفسها في المرآة، لكنها بالكاد استطاعت التعرف على الوجه المنعكس أمامها. “كيف أصبحت هكذا؟” همست لنفسها بصوت مرتجف.
قررت أن تتجاوز حدودها المعتادة، علها تجد النشوة الأخيرة التي تهرب بها من واقعها. مزجت جرعة زائدة من المخدرات مع زجاجة خمر رخيص، وأخذتها دفعة واحدة. بدأت تشعر بثقل غريب في أطرافها، ورؤية مشوشة، كأن العالم ينطفئ من حولها. قررت الخروج من غرفتها، مترنحة إلى الشارع. لسع البرد القارس وجهها بقوة، لم تستطع المقاومة، جلست على رصيف مظلم، تنظر إلى السيارات المارة وكأنها تبحث عن وجه مألوف أو يد تمتد لإنقاذها. شعرت بألم حاد في صدرها، لم يكن أقسى من الألم الذي عاشته طوال حياتها.
عندما حل الصباح، وجدها أحد المارة ملقاة على الرصيف بوجبه شاحب، وعينان مفتوحتان تحدقان في السماء. لم يكن معها أوراق تثبت هويتها، ولم يسأل عنها أحد. تكلفت الشرطة بنقل جثتها إلى مستودع الأموات، حيث تم تسجيلها كـ”مجهولة الهوية”، و أغلق ملفها بسرعة، كما أغلقت حياتها.




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.