عطلة نهاية أسبوع عابرة..

بقلم رحال لحسيني

أصوات دقات قوية متتالية فوق قطعة حديدية كأنها بقايا أحجار كتومة تئن تحت وقع الصدمات، دقات مطارق خفيفة تزرع مسامير في أخشاب مستطيلة، وتنقر على الجدران أحيانا.

عامل يقترب من زميله يشد عضده، يحملان مواد بناء برافعة صغيرة لسطح ثاني.

قط وقطة يتمازحان غير مباليين بالخطر حولهما، طفل يغادر الباب المحاذية لركام مواد بناء تحتل نصف الزقاق، يصاحبه النوم عند البقال القريب، يلامس خصلات شعره ويتفوه.

شجيرات تداعبها ريح خفيفة طازجة، بعض الغبار يتطاير بين الفينة والأخرى.
***

يتقلب في فراشه، يحاول تجاهل هذا “الكرنفال” الصاخب من الضجيج، يشتهي استعادة ما تبقى من ذرات نعاسه الهارب. انين صدمات القضبان الحديدية وصدى دقات متباعدة على خُشب يستقر في أعماق دماغه كنعيق غراب.

ينهض، يقف على حافة سرير غرفته الضيقة، يكرر النظر إلى الخارج من علو النافذة.

سائق عربة مجرورة ينهر حصانه الهزيل ليركض بسرعة أكثر، تهتز عجلاتها الخلفية، سيدة تتأبط كيس أثواب وقوارير بكلتا يديها، تقفز وتسقط قرب أشيائها فوق ركام متلاشيات جانب الطريق.

تمد رجليها أمامها، وتصيح، تعدل جلسة غضبها، ترفع غطاء رأسها تلوح به، تشتم وتولول.

نوافذ تفتح بسرعة فائقة، وجوه تشرئب لمعرفة سبب الصراخ.
***

الصباح جميل، بداية عطلة أسبوع من التعب وقلة النوم، ريح خفيفة ولذيذة كادت أن تكون رائعة هذا اليوم.

الشمس قادمة من خلف ضباب عابر.

شاب يترجل من باب خلفي لشاحنة متوسطة الحجم:
– متى “نامت” هنا؟
يخرج سلما من داخلها، يتردد في الصعود. يتقدم، يشغل محرك الشاحنة البيضاء، ويعتلي سقفها المثقل بحمولة ظاهرة، يشرع في فك أحزمة غطاء يحجب أواني وآلات مرتبة فوق بعضها.

المتجر الكبير المجاور لا يزال مغلقا.
***

حمامة تغازل شجرة عالية، تحط بشرفة شقة في الاتجاه الآخر.

محرك الشاحنة لا يزال يحدث نفسه، نفس الهدير يتردد. ضربات على الخشب، طرق على الحديد، طنين آلة تقطع أجساماً صلبة تفتك بقوة شيء ما أو تحدث ثقبا في جدار.

سيارات تمر متباعدة بين الفينة والأخرى، رجل يمتطي دراجة يحمل كيس خبز وبعض النعناع في يده اليسرى.

امرأة يظهر نصفها من نافذة مقابلة تنادي طفلها تأخر عند البقال.
***

ضربات فوق المبنى الفتي تتصاعد وتختفي، العمال ينادون بعضهم، يصرخون، يتمازحون، يخف صوتهم، يصمتون ..
ربما يهدؤون .. الآن.

سيدي بوزيد، 30 غشت 2024




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.