بقلم ذ / محمد مجاهد
“هوية السينما المغربية بين سينما الاستعمار و سينما الاستقلال” هو عنوان شاسع، اختزله الإعلامي عبد الرحيم الشافعي في ملخص مقال، جوابا عن سؤاله بسلسلة أسئلته السينمائية و أخرجه بتاريخ 9أكتوبر 2019 بالموقع الرقمي لمجلة سينفيليا . أثارني هذا العنوان لما انتبهت إليه مؤخــــرا، لأنني كنت دائما أطرح نفس الإشكال حول هوية السينما أو بالأحرى هوية الفيلم السينمائي : كيــــــــف يمكن أن تحدد ؟ أو ما هي المعايير التي يمكن البناء عليها لتحديد هوية فيلم ما؟ أو بالأحرى هل يمكننا التحدث عن هوية للسينما؟ .
يعلم الجميع أن السينما بهويتها الكونية تحمل لغة فنية موحدة لا يمكن تمييزها بتمييـــــــــــــز المجتمعات، كما لا يمكن توزيعها حسب منطق اللغات المنطوقة . هي لغة تواصلية نفهمها ولا ننطــــق بها، فهي لا تحتاج إلى لغة منطوقة معينة لكي نعيشها بقدر ما تحتاج إلى إبداع فني كثيف يأخذنا إلـــى عوالمه فنعيش مع أحداثه الفيلمية بكل عناصره المتحركة و الثابتة. لهذا فالسينما في تعريفها العــــــام والشامل لا يمكن أن نتحدث عنها انطلاقا بانتسابها إلى مجتمع معين و في معزل عن عالمية هويتهـــا، إذ تنتج و توجه إلى عقلاء الكون و ليس أعقل ما في الكون من الإنسان، لذلك هي توجه إلى النـــــاس كافة بجميع الطبقات والفئات والأعمار والأجناس . حيث كلما انتهينا من مشاهدة فيلم إلا و شعرنا أننــا عشنا حياة بل فهمنا أشياء كثيرة تخصنا .
تغيب الهوية السينمائية داخل شمولية تعريفها، وهذا هو السليم في الاشتغال السينمائي، لكــن قد ننسب المنتوج السينمائي الفيلمي إلى مجتمع معين ، فنقول فيلم عربي وغربي وأمريكي و آسيوي، هنا قد نسقط النسب مجازا على السينما داخل كل مجتمع ، بل قد نجزئها إلى مجموعة من الانتمـــاءات حسب الهوية المتعددة للمجتمعات كأن نقول مثلا سينما أمازيغية وأخرى عامية/عربية/حسانيــــــــة … نسبة للغة منطوقها . لكن مع كل ذلك تبقى هذه النسبة لا مجال للحقيقة فيها سينمائيا ولا يجب التعامـل معها كتعريف رسمي متفق عليه أو كقاعدة للتنظير السينمائي . هكذا تكون لغة الحوار الذي ينطق بها المشخص/الممثل داخل الفيلم هوية له داخل مفهوم ضيق أو بالأحرى مفهوم شكلي لا علاقة له بجوهر السينما في الأصل . كما قد تتعدد هويات الفيلم السينمائي الشكلية نسبة إلى بلد و طاقم إنتاجه، و أمام هذا التعدد الهوياتي الشكلي / الصوري نكون فقط نضفي على المشهد السينمائي نوعا من الرغبة التي لم تجد بعد سبيلها إلى التملك الفردي أو الجماعي للسينما لحقيقة مفهومها الشامل .
وكقاعدة ضابطة يمكن العمل بها، أننا داخل السينما يمكننا الحديث عن هوية الذات وليس عــــن هوية الفن السينمائي ، بحيث كل مجتمع يجب أن يحس بذاته داخل الفيلم السينمائي ، بل ويجــــــب أن يخلق لهويته المجتمعية مساحة مهمة داخل السينما الكونية وليس العكس. هذا كذلك جزء مــــــــــــــن المفهوم السليم الذي يؤكد على التعريف الشاسع للفن السابع، وما السابع إلا إشارة واضحة لكل هـذه الشمولية. يقول الإعلامي عبد الرحيم الشافعي في مناقشة سؤاله السالف ذكره ضمن سلسلة أسئلتــــه السينمائية :” إن مفهوم المغربي في الفيلم يطرح إشكالا في تاريخ السينما المغربية ، بين الاستعمارية (1919م و1956م) و حتى بعد الاستقلالية” ، نعم يجب علينا أن نبحث عن ذواتنا في السينما و أمـــام غيابها لا يمكن أن نتحدث عن تأصيل مجتمعنا للسينما ، ولو مع ممارسين مغاربة ، و إلا ما الفائـــــدة من اعتماد لغة و أحداث و شخصيات مقتبسة ؟ الإبداع حر، لا أحد يجادل في ذلك ، وحريته يجــــب أن تسهم في بناء تطور المجتمع ، ولا يتأتى هذا الانسجام مع سينما تشتغل على إبراز هوية الغير، فهـــي تطمس معالم هوية الذات الخاصة عوض تقويمها وإظهارها للآخر في قالبها الفني السينمائي الــــــذي نتوجه به إلى العامة .
إن الإشكالات المطروحة من قبيل :”من هو المغربي في السينما المغربية؟ ماهي هويته؟ كيــف هو حضوره؟ و بأي معنى يمكن الحديث عن وجود معنى لثقافته؟ و أين تتجلى رسالته؟” يمكن الإجابة عنها من خلال قراءة عينات فيلمية مغربية التي تفضي بنا دائما إلى تبويب السينما داخل الوطـــــــــــن المغرب بين سينما تحافظ على هوية الذات و أخرى تقتبس هوية الذات لأسباب متعددة أهمها النهل من ثقافة الغير بسبب الهجرة والانصهار مع ذوات أجنبية بمجتمعات أخرى . هذا النوع من الاشتغــــــــــال السينمائي مقبول، لكن موضوعه لا يمثل الذات المغربية، إذ لا يجد فيه المتلقي متفرجا أو ناقدا شـيء منه و بالتالي يبقى غريبا يستفيد من مقومات الاشتغال السينمائي المغربي خاصة المادي منها، حتــــى ولو كان القيم عليه مغربيا . غير أن ذلك لا يمنع البتة من فتح فضاءات التصوير الخارجية منهـــــــــــا والداخلية أمام المستثمر الأجنبي، فهو يحافظ على ذاته داخل المشهد السينمائي أين ما كان هــــــــــــذا الفضاء، ومن منطلق الحفاظ على ذات الهوية الخاصة يجب أن ينطلق كل ممارس سينمائي .
يلعب إذن الفيلم السينمائي بأحداثه و كل عناصره الأساسية دوره الفعال في إمكانية تأصيــــــــل السينما في علاقتها بالفيلم / أي انتسابها لمجتمع معين من خلال إبراز ذات المجتمع عبر تعريــف ضيق و خاص جدا ، لأن حقيقة المشهد السينمائي ليس في حاجة إلى هوية ما دامت تعد ذات انتســاب كوني كما سبق التعريف الشامل له . هذا ولا يمكن تجزيئها / بتعداد هويات لها من باب لغة منطـــــوق حواراتها أو هويات ممارسيها ، لأنه يمكنني كمغربي أن أشتغل على فيلم بلغة أجنبية و بشخصيــــــات و عاملين أجانب و بموضوع يحمل مميزات حياة مجتمع آخر ، إذ لست أنا من سأضفي على الفيلـــــــم هويته بقدر ما سيحمل هوية هذا المجتمع العجمي ذاته ، فيكون بذلك فيلما فرنسيا أو إسبانيا أو إفريقيا … موجها إلى الشاشة العالمية إثباتا للهوية الكونية له . فسر هذا ، الإعلامي عبد الرحيم الشافعــــــــي حينما بحث عن الشخص المغربي في أفلام ما قبل الاستقلال ، ولم يجده ، لأنها أفلام من توقيع فرنسي ، كلها حبلى بذوات أجنبية في غالبيتها كانت تحقيرا للهوية و الذات المغربية ، لذلك كان الطاغــــــــــي عليها هي القبعة الاستعمارية ، حيث بقيت على شكل أفلام مصورة بفضاءات مغربية لكن بموضـــــوع أجنبي . وهو ما تعيشه السينما الآن مع بعض العاملين المغاربة الذين نهلوا من ثقافة مجتمعات غربية و عادوا إلى المغرب بأفكار وتصورات عجمية يضفونها على الذات المغربية لكن لا يمكن أن تنتج مـــا يعيشه المغربي ، حيث تبقى أفلاما سينمائية جميلة بأسلوبها السينمائي الكوني، فيها إبداع و فيهـــــــا لمسات فنية عالية، لكنه الفيلم يصبح معها مجهولا، غير أن هذا لا يؤثر سلبا على السينما أمام عـــدم اعترافها بالانتماء الخاص ، يؤثر فقط على المجتمع الذي لا يجد له حياة خاصة داخل الحيـــــــــــــــاة السينمائية الشاسعة .