دردشة في السياسة… الجزء الأول…

بقلم ذ محمد نخال

قال له صاحبه وهو يُحاوره: لقد أكثَرتَ الخَوضَ في العشق والغرام يا هذا، فمتى سنراك تخوض في عالم السياسة، فأنت العارف بدهاليزها، وأنت الخبير بمشاربها.
نظرة إليه صاحبه نظرة عتاب، وكأنه يريد أن يقول له: لماذا تريد أن ترميني في مستنقع، تعرف أنني أكره الغوص فيه، حتى لا أسيء لأحد، وحتى لا يسيء أحد فهمي، ويعتقد أنه المقصود، وأنت تعرف مواقفي الواضحة والقاسية فيه.
أدرك صاحبه ما يجول في خاطره، ولكنه دفعه دفعا إلى هذا الإتجاه وقال له: ما ينبغي لأمثالك أن يقفوا موقف المتفرج، وما ينبغي أن لا يكون لهم رأي، أو أن يقفوا موقف المتفرج فيما يدور حولهم!
تنفس صاحبه بعمق، وبعد أن استجمع أنفاسه، رد عليه قائلا: من أين تريدني أن أبدأ؟
هل تريدني أن أبدأ مما فعله ذاك الحلاق في رأس زبونه، وقد كان في نقاشٍ حادّ في دكّانه مع زُمرة من أصدقائه حول الحرب العالمية الثانية، إذ قام برسم خريطة العالم في رأس الزّبون، وسار يشرح لهم مناطق الحرب الساخنة، وكيف هاجمت اليابان “بيرل هاربر”، وكيف ردّت الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن استرسل في سرد الأحداث انتابه غضب شديد، فضرب بقبضته على أم رأس الزبون بكل قوة وقال: هنا باغث اليابان الأمريكان، وهنا انكسر الحلفاء… وقبل أن يكمل مغامراته الحربية، قام الزبون مَدعورا، يُوَلوِل ويُهَرْوِل مَكشوف الرأس، يلعن السياسة والسياسين والناس أجمعين.
ضحك صاحبه حتى بانت نَواجِده وقال مازحا : بل حدثني عن المشهد السياسي، وصراع السياسين في بلاد “الموزنبيق الشقيق!
فأجابه اسمع ياصديقي! إن السياسة علم، وهي فن الممكن، ودعوة للفضيلة، وهي كذلك فِعلُ التّدجين، وفعل إنتاجٍ للسلطة لا للمعرفة، تعددت الأسماء، والمسمّى واحد.
والمشهد السياسي ياصديقي في بلاد “الموزنبيق الشقيق” كما يحلو لك، أشبَهُ بلوحة سُريالية لشخص: أنفه في قدميه، وعيناه في بطنه، وأذناه بين الحاجبين، وحتى أكون أكثر وضوحا، فالمشهد السياسي هناك، أشبه بسوق أسبوعي في البادية: حيث تتجاور في خيمة واحدة كل المتناقضات، العدس إلى جانب الموز، والفحم يجاور التّبن، وبقربهما التوابل وقوالب السكر وقنينات الزيت، ولِنَقُمْ بإسقاط هذا الوضع على المشهد السياسي، قل لي بربك، أيعقل أن يتحالف في الفعل السياسي، أقصى اليمين بأقصى اليسار! بل كيف بمن له مبادئ شيوعية، يؤمن بالعمل الجماعي، ينبذ الاستغلال ويحارب الفوارق الطبقية، ويدعو إلى إنشاء “السُّفْخُوزات والكُولْخُوزات” أن يتحالف مع إقطاعي رأسمالي شعاره الفردانية والمبادرة الحرة، يملك ضيعات شاسعة، يستعبد فيها مستخدمين، يسلبهم حقوقهم، ويحولهم إلى عبيد وأقْنان.
والأمَّرُ من هذا والأنكى ياصديقي، كيف يمكن لمن يزعم أن له مرجعية دينية، يسعى إلى تطبيق شرع الله في الأرض، وإحياء سنة الأولين، أن يتحالف مع ماركسيين، يرون بأن الدين هو أفيُون الشعوب!
لذا يا صديقي يبقى تاجر الدين أخطر رجالات السياسة، لأنه بلغة “مِكْيافلي” ماكر كالثعلب، شرس كالنمر، ويقتل بلا تردد، وبما أن تجارته كاسدة، فهو يغلفها بغلاف ديني حتى تلقى رواجا كبيرا، وكما يقول “ابن رشد” التجارة بالاديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإن أردت التحكم في جاهل، عليك أن تُغَلّف كل باطل بغلاف ديني. وكما يقول ابن خلدون: الفتن التي تتَخَفَّى وراء قناع الدين، تجارة رائجة جداً في عصور التراجع الفكري للمجتمعات !
ويرى “ماركس” أن أخطر تحالف عرفته البشرية مند بدء خَليقَة الفِعل السياسي، هو التحالف القائم بين رجال الدين ورجال السلطة. فرجل السياسة مهمته قيادة القطيع، وتبقى مهمة رجل الدين تدْجينُ هذا القطيع وترويضُه.
ومع الأسف، فأفراد هذا القطيع لن يثوروا إذا لم يَعُوا، وهم لن يعُوا حتى إذا ثاروا. لأنهم جعلوا من ايديولوجية الحزب عقيدة لذيهم. ولأن مشاعرهم السياسية مُحْبَطة بسبب عدم وجود أفكار عامة بينهم. ولأن شعار حزبهم كما في رواية جورج أرويل 1984 الرائعة هو : “العامة والحيوانات أحرار”…

يتبع




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.