عبد اللطيف شعباني
معَ تراجُع دور الدولة المَلحوظ في الكثير من مجالات الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، كان لا بُدّ من وجود مؤسسات أو هيئات غير حكومية مَهمّتها سد الفراغ الحاصل بسبب ذلك التراجع، وهو الأمر الذي شجع الكثيرين على إطلاق العديد من المبادرات الجماعيّة، من أجل تكوين تنظيمات وجمعيات ذات أهداف متنوعة تقدم منفعة عامة للجميع أسست لوجود وتفعيل المجتمع المدني.
ويمثل المجتمع المدني مجموعة من الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات العاملة في مجالات التنمية ، والتى تعمل بشكل مستقل عن مؤسسات الدولة، وضعت لها القوانين والتشريعات التى تحكم عملها، مثــل: الجمعيــات الأهليــة، والنقابــات المهنيــة مثل المهندسين والمعلمين.. إلخ، والنقابات العماليــة، والأحــزاب السياســية، واتحــادات الغــرف التجاريــة والصناعيــة، والجمعيــات الخيرية الخدمية، ومنظمات حقــوق الإنسـان، وجمعيـات حقـوق المـرأة،والطفل، وذى الهمم،والمعاشات، وغيرها من المؤسسات والجمعيات والمنظمات التى تعمل بشكل تطوعى وليس للربح والمكسب.
ومن أهم أهداف عمل تلك المنظمات نشر الوعي، وتعزيز القيم والمبادئ التي تهدف إلى تطوير وتنمية المجتمع، والحد من الفقر، والحفاظ على حقوق المهمشين، ورصد الإنتهاكات التى يتعرض لها المواطنون، كما أن له دورا فى الرقابة والتقييم والتطوير والمتابعة، وتقوم بدور كبير في مجال حماية حقوق الإنسان، والحريات الأساسية، وتدريب الكوادر للعمل العام.
بل يسعى المجتمع المدنى طوال الوقت الى نشر الثقافة التطوعية والعطاء، وترسيخ القيم النبيلة، وزيادة الوعى، والمحافظة على الهوية، وتعزيز المواطنة، والإنتماء للوطن ولكل قضاياه.
كما تنتشر جمعيات مساعدة المحتاجين، ومساعدة كبار السن، ورعاية ذوى الهمم، والأيتام، والأطفال بلا مأؤى، ورعاية المساجين، وحماية البيئة، ومنها مايقوم بأنشطة ثقافية توعوية، وأنشطة سياسية، واجتماعية، وتربوية، وأنشطة تنموية لمساعدة الأسر الأكثر احتياجا، وغيرها ليؤكد أنه شريك حقيقي في عملية البناء والتنمية.
توجد في معظم النظم السياسية، منظمات المجتمع المدنى، والتى تلعب دورا فى تثبيت النظام الديمقراطى، وتواجه السلطة الاستبدادية ونظم الحكم الشمولى، وتسعى به إلى نظام ديمقراطى، وتحقق الوصول إلى دولة الرفاه، كما تحاول التوفيق بين مصالح الأفراد وحقوقهم على أساس الاحترام بين المصالح الخاصة والعامة، ودون تدخل حكومى، وهو يملأ الفراغ التى تتركة الدولة مع اعتبار أن العلاقة بينهما علاقة تبادل واستكمال أدوار.
ولأنه الرديف الحقيقي للسلطة في أي دولة، ومعهم القطاع الخاص ليشكلوا ثلاثي مهم في عملية التنمية المستدامة، (الدولة، القطاع الخاص، منظمات المجتمع المدنى بما فيها الإعلام ) لتعمل القطاعات الثلاثة فى تناغم وتكامل لتحقيق الهدف الحقيقى لصالح الوطن ومواطنيه، فالدولة لا تستطيع القيام منفرده بكل خطط التنمية، ومن هنا ظهر دور كبير للقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى فى سد الفراغات التى تتركها الدولة.
ولذا نطالب رجال الأعمال وكل المنظمات بمزيد من الجهد لما تمر به البلاد من أزمة اقتصادية خانقة للتخفيف عن كاهل المواطنين، من الأعباء التى تراكمت عليهم جراء الوضع الاقتصادي المتردي.
كما أن تردي الوضع الصحي جعل منهم طوق نجاة في تقديم خدمات صحية متعددة، عن طريق القوافل التى ينظمونها سواء بشكل منفرد، أوبالتعاون مع هيئات حكومية، ورأى الجميع دورهم فى أزمة كوفيد على سبيل المثال.
كما أن لهم دورا اقتصاديا بما يقدمونه من إرشادات، وحملات توعية، وتشجيع الصناعات الصغيرة، ومتناهية الصغر، والحفاظ على الحرف التراثية، والعمل على تسويق منتجاتها، وتحقيق عائد لتلك الأسر، وتوفير فرص عمل للمواطنين، وهذا يعمق دورهم فى تقوية الروابط الاجتماعية وخلق قوة للمجتمع بالحد من الفقر، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
ثم هناك منظمات المجتمع الأهلى التى تهتم بالبيئة، وتعمل فى مجال المحافظة عليها، وطبقا للاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، والتى لها بعد بيئى، تسعى مع الحكومة للمحافظة على البيئة،وحمايه الموارد الطبيعية، والمحميات، والأراضى الزراعية، والموارد المائية للحفاظ عليها، واستخدامها الاستخدام الأمثل للحد من العبث بالبيئة وما ينتج عنه من مخاطر.
و تقوم منظمات المجتمع المدنى غالبا بأدوار كثيرة سواء تعليمية، وثقافية، واجتماعية، وبيئية، وصحية، وسياسية، وغيرها من الأدوار التى تتكامل مع دور الدولة لتحقيق عملية تنمية شاملة.
إن المجتمع المدني بكل صوره يعتبر وسيطا بين الدولة والشعب، فهو يعبر عن صوت المواطنين لإيصاله إلى متخذي القرار عن طريق الأحزاب السياسية، والتى حرية عملها يدعم الديمقراطية، ويحقق تبادل سلس للسلطة، وقد ارتبط مفهوم التنمية والديمقراطية ببعضهما ببعض، والمجتمع المدنى يدعم الديمقراطية،ويقيم تجاربنا فى خطط التنمية التى تقوم بها الدولة، لما يملكونه من كوادر مدربة وقادرة على التحليل والصياغة والتفعيل وتقديم المشورة.
غير أن هناك حول المجتمع المدني ومؤسساته إلى مصدر للتربح من الخارج، وتحولوا لعملاء لمن يدفع لهم من دول أجنبية، لتصدير مشهد غير حقيقى عن الوطن، واظهار قضايا وهمية، وقيامهم بدور المستشرقين او الرحالة فى القرن التاسع عشر.
ويرى البعض أن التمويل الخارجى يؤدي إلى الانصياع الى أجندة الممول، وطلب البعض إلى ضرورة وقف التمويل الخارجى، لتكون تلك المنظمات مستقلة بشكل كامل، حتى لاتخضع لمن يقوم بالتمويل، بل يجب ان تمول ذاتيا، كما يحدث فى تركيا التى تعتمد كل جمعياتها الأهلية على الوقف الخيرى، وكذلك الولايات المتحدة الامريكية تعتمد بعض جماعاتها على الوقف، وفى فرنسا وألمانيا مولتها لانها اعتبرتها جسرا بين المواطنيين والدولة، وفى بريطانيا اعتبرتها بديلا مستقلا عن الدولة وان التبرعات هى الوسيلة لبقائها ودعمتها.
ولذلك يجب دعم تلك المنظمات في إطار القانون سواء بالدعم أو تلقي التبرعات أو حتى التمويل، طالما هناك رقابة وقانون يحكمان عملها، ويجب على الدولة الإعتراف بأن منظمات المجتمع المدنى لها الاستقلالية المالية، والتنظيمية، والإدارية، ومع اعتبار الدولة هى المالكة للإطار السياسى والقانوى لها، لذا لابد من ترك مساحة من حرية الحركة لهم، فهم فى الاساس يستهدفون الفرد، الذى يشكل نواة المجتمع، ليواصل الإبداع الذى يعود على المجتمع بالإيجابية.
ولذلك تخضع الدولة كل التمويلات سواء كانت داخلية أو خارجية تحت رقابتها، بموجب قانون الجمعيات، وهو القانون الذي ينظم عمل مؤسسات المجتمع المدني بكافة أشكالها، لذا يجب أن تتغير الصورة الذهنية الخاطئة عن المجتمع المدنى، ويتم التعامل معها بثقة عن طريق منهجية التشارك والتكامل والشفافية.
لذا من المهم توفر قاعدة بيانات، ودعم مبادراتهم طالما تهدف الى مصالح مشتركة، وقضايا مجتمعية نسعى لإزالة أثارها خدمة للمواطنيين، فنحن لدينا الكثير من المشكلات فى كل النواحى، وأمام عجز الدولة عن استكمال دورها، يجب تعزيز قيامهم بدورهم المنوط به فى عملية التنمية وتعزيز الوعى بكل قضايا المجتمع للمشاركة البنائة،ولتعزيز المسار الديمقراطي.
فقوة المجتمع المدني وقيامه بأدوراة الثقافية والتنموية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والخدمية الخيرية والتعليمية، في مصلحة الحكومة، ويرفع عنها أعباء كثيرة، ويصب في صالح المواطنين.
فدمج المجتمع المدني في خطط التنمية المستدامة وإشراكه بشكل رئيسي في عملية البناء، يوفر كثير من الجهد على الحكومة ويحقق التنمية المأمولة.