عبد اللطيف شعباني بتصرف
يرى جهور فقهاء الدين وعلماء الأمة بأن الفتوى تتغير بموجبات شتى، منها تغير الزمان والمكان والعرف وغيرها من الأمور المستجدة وفقا لمقتضيات كل عصر، رأي معلوم ولا اختلاف عليه، إلا أن هناك قوى عدائية رغم علمها ومعرفتها بهذا، تجدها تراوغ، وتتخذ منهجا لتضليل الناس، لخدمة أهداف مسمومة وعمالة خائنة.
وطلت علينا خلال السنوات الماضية آفات من الفكر المتطرف تنخر في عضد الدولة والدين، وهنا تحتم على الدولة أن تحمي شبابها من وباء هذا الفكر المتطرف الممهد للإرهاب، فقامت بإطلاق دعوات مستمرة للتنوير.
وهنا لا بد أن يوضع بعين الاعتبار أثناء التجديد خمس ضروريات، هي الجهاد الحقيقي وهو جهاد السبق في ميادين النهضة، الخطاب الجديد المراد تحقيقه، يجب أن يتبنى أن الجهاد الحقيقي هو الجهاد الحضاري، جهادُ التنمية والبناء والإنتاج والسبق في ميادين النهضة، فيكون خطاباً تنويرياً يوجه طاقات الشبان في ما ينفعهم وينفع مجتمعاتهم وينفع دينهم.
ثم الدعوة إلى الروحانية في سياقات عصرية بخطاب يحرص على المعاصرة، وخاصة في وسائله وآلياته، ولا يتجاهل في دعوته تيارات العصر، واتجاهاته الأدبية والمادية والسلوكية، ومشكلاته الواقعية، مركزا على الدعوة إلى الروحانية فهي جوهر الدين ولبه، غير متناسياً طبيعة الدعوة الإسلامية التي ليست دعوة عربية، ولا أجنبية بل هي دعوة للعالمين أجمع، متسلحاً بخطاب يتبنى التيسير في الفتوى لا التحريض من خلال عقيدة تؤمن بأن الوفاء للسلف يقتضي قراءة متجددة للموروث الفكري والديني وفق سياقات عصرية حديثة.
التجديد فريضة يوجبها الدين وضرورة يحتمها الواقع ، وإذا كان الاجتهاد بابا فتحه نبينا الكريم، لفهم الشرع فهما صحيحاً، فالمهم أن يدخل هذا الباب من كان أهلا له، ومن يملك الشروط التي اتفق عليها العلماء لمن يريد الاجتهاد، وليس لكل من هب ودب أن يفتي الناس بما يشاء وكيفما يشاء، وخاصة أن عصرنا هذا لهو أولى العصور بتجديد الاجتهاد فيها، وأصبح فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتمها الواقع.
يرعى حقوق الأقليات ويقف بجانب المرأة، خطاب يحرص أيضا على حقوق الأقليات الدينية في الأوطان، وحفظ كيانها الخاص، وصون شخصيتها الدينية، ومراعاة حرمات شعائرها وطقوسها، ومنصفا للمرأة، يقف بجانبها بتفنيد كل ما أشيع حولها من أحاديث وتفسيرات مكذوبة، فالمرأة هي أم الرجل وابنته وزوجته وأخته وعمته وخالته، فهما متساويان في النشأة، والإنسانية وفي التكليف والجزاء والمصير، فلماذا يفترض أن يكون هناك أصلا معركة بينهما؟
دعوته قائمة على العطاء والتيسير بهدف الائتلاف والتعايش، خطاب جديد دعوته قائمة على تقديم العطاء والعمل لا على الجدل والكلام، والانتقال من الفروع إلى الأصول، ومن التعسير إلى التيسير، وأن لا يعرف للجمود طريقا، ومن التسامح والوسطية والائتلاف عنوانا لرسالته، ومحتضنا للإنسان ككل بدون تفرقة، لكونه إنساناً مكرماً من خالقه، “ولقد كرمنا بني آدم” مسلما كان أم كافرا، ذكراً أو أنثى، وأن يؤمن بأن اختلاف البشر حكمة إلهية، وأن المطلوب هو التعايش والسلم مع الجميع لتحقيق المنافع المشتركة، وأن الحساب في النهاية موكولُ إلى المولى عز وجل وحده ليوم الفصل والميعاد.
مقتضيات تجديد الخطاب الديني المعاصرة تدعمها توجهات سياسية لدول فاعلة في الشرق الأوسط تمتلك الإرادة للخروج بالمنطقة من صراعاتها إلى التنافسية التنموية والاقتصادية، ولا تقتصر محفزات التجديد على هذه الدوافع، بل يمكن اضافة عامل ما أصاب الشعوب العربية من عشرية (الربيع العربي) .فالخيبة من تجربة الأحزاب الإسلاموية المريرة هي واحد من العوامل الأساسية الدافعة باتجاه ضرورة تجديد الخطاب الديني والانتقال من دعوات التنظير إلى الأفعال.