تحدي بناء يسار معاصر

الجدير بالذكر أن غياب الديمقراطية الداخلية في أوساط ما تبقى من اليسار، و إنتهاج الإقصاء، وممارسة العنف المادي والمعنوي، و نشر ثقافة الحقد والكراهية والتخوين، شكل الحافز الأكبر، الذي لخص أهم المرتكزات التي انطلق منها الطريق الرابع لبناء يسار معاصر، كرؤية، وفكرة، ومنهج في التحليل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي.
مما جعل الطريق الرابع مراجعة نقدية لمسيرة طويلة، تميزت بافتقاد الطابع المؤسسي، والخبرة، و النخب الفاعلة. فضلا عن التيه واليأس والقنوط.
من هنا يعتبر الطريق الرابع الراهن المغربي، لحظة تاريخية للنهوض من جديد من أجل العيش النضالي المشترك، ومن أجل تعزيز الثقة، وخلق أرضية مشتركة للعمل في ارتباط بالحركة الجماهيرية، بمعية النساء و الشباب .
فلقد استعاد أنصار الطريق الرابع أنفاسهم، بعدما استفاقوا من هول الصدمة، عندما وعوا أهمية المرحلة التاريخية التي تحتم علينا المساهمة والمشاركة في بناء مغرب المستقبل.
ووفق هذا المنظور، يقر الطريق الرابع بأنه ليس نظرية في الحكم أو في السلطة، وليس من أهدافه استنساخ أيديولوجية الماضي والتغني بديكتاتورية البروليتارية أو الانحياز للطبقة البورجوازية. لأنه ببساطة و موضوعية إلى أبعد حد،، طريق لبناء يسار معاصر عملي، لا يؤمن بالصراع بين الطبقات، بل ينظر إلى الصراع الداخلي بين الطبقات، كشكل من أشكال ممارسة الصراع الديمقراطي عن طريق التشاركية والتكاملية لتمثيل تطلعات كل الطبقات والفئات بشكل ديمقراطي، حر، و نزيه، وشفاف.
ولعل أبرز التحديات التي تواجه الطريق الرابع، هو التخلص من ضبابية نظرة اليسار القديمة للسلطة وللحكم، مقابل إيجاد بدائل عملية لتعزيز الديمقراطية وتغيير الأنماط الاقتصادية الاجتماعية المترسخة، والمضي قدما على درب نضال القرب و إنصاف ضحايا التهميش و الإقصاء والاستبعاد الاجتماعي، وفي طليعتهم ، مغاربة المغرب القروي وسكان الجبل والواحات والسهول والسهوب وضواحي المدن، والجبال.
و انطلاقا من موازين القوة الحالية، فإن ما يهم الطريق الرابع بالدرجة الأولى هو تجاوز الماضي، و المساهمة في تطوير الخطاب السياسي، وكشف عورة الشعبوية التي تغلغلت في صفوف ما تبقى من اليسار وتعريتها، ونهج ممارسة الانفتاح على الطيف التقدمي الديمقراطي ، وتطوير منهج الانفتاح على الناس والنزول عندهم، وإقامة تحالفات عملية جديدة ، غير أيديولوجية، انطلاقا من مصلحة الوطن ووحدته وتعزيز مؤسساته.
و حري بالذكر، أن اليسار المعاصر هو إسهام مشترك، فكرا وممارسة، في نهج ديمقراطي لبناء الدولة المدنية العصرية. ولا يجب أن ننسى أن الإسلام السياسي قد يكون شرع في مراجعة فكرية عميقة، لا تقوم على بناء دولة الشريعة الإسلامية بالضرورة، بل على الدولة المدنية.
وفي ارتباط مع ما سبق، يسعى الطريق الرابع إلى أن يكون فكرا وممارسة خلاقة للحياة وليس خطابا هداما يدعو للموت من أجل عيون إيديولوجية ما أو جنة مشتهاة .
إنه، دعوة لاستعادة الذات لذاتها المخلصة، وليس لنموذج من النماذج القائمة.
ومن الاشياء التي لا يختلف حولها اثنان، أن عجز اليسار وما تبقى منه على تحديد البنية الطبقية لمجتمعنا، وعدم قدرته على تفكيك البنيات المتصارعة على المصالح الخاصة لا مصالح الوطن وتقدمه، قد جعله يضمر عجزه من خلال إطلاق العنان للصراعات حول أمور خارجية عن جغرافية الوطن و بعيدة عن المصلحة العليا للمواطنات والمواطنين، ويختار التيهان وراء المواقف المضادة من الحرب السورية أو لما يحدث في فلسطين والعراق وتركيا وايران…، وهلم مشاكل دولية، لا تعود بالنفع على المغاربة.
إن الطريق الرابع رؤية جديدة ليسار معاصر مغربي قح مئة بالمئة، يؤمن بالدولة الحديثة الاجتماعية في ظل ملكية اجتماعية و مواطنة، بعدما فشل ما تبقى من اليسار في تحديد طبيعة الدولة التي يؤمن بها، كما يؤمن بالقوانين وبتغييرها بالديمقراطية الحقة من داخل المؤسسات، كما يؤمن بإصلاح الإدارة وتنمية البنيات التحتية، وتوفير الماء الصالح للشرب للجميع، وخلق فرص الشغل للعاطلين، وإلغاء نظام التعاقد المفروض بالقوة على المتعاقدين، و بنظام تعليمي وصحي عمومي جيد للجميع، و بضرورة إخراج الناس من ضيق دائرة القلق الشعبي الشديد والفوضى و الأزمة، إلى دولة الرفاهية المجتمعية و تكافؤ الفرض والمساواة بين جميع المغاربة.
فلا يخفى أنه بكثرة ما تواترت خيبات أمل المغاربة في بلورة نموذج تنموي على الواقع، منذ الاستقلال إلى آخر نموذج تنموي لم يعد يعترف به أي كان، والمغاربة في تيه و خوف من المستقبل.
من هنا، فإن مقاربتنا هي بمثابة محاولة لاسترجاع الثقة في الوطن والمؤسسات و إيجاد الاتساق الذي يجمع بينهما، وتخليص قيمنا اليسارية من ما تبقى من “الكومنترن” ومن مخلفات العهد السوفيتي البائد والأحزاب الشيوعية البيروقراطية.




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.