تأملات…العقل الشرق الأوسطي والشمال إفريقي و مساهمته في النمطية

ذ إلياس الإدريسي

موضوع اليوم هو التطور التاريخي الاجتماعي النفساني، كيفية تشكل العقل العربي في الشرق الاوسط و على مستوى شمال إفريقا، و كيف أصبح من السهل تصنيفنا على شكل صور نمطية. الصورة النمطية Stereotype. والكل يتسائل لماذا هناك صور نمطية؟؟.

من السهل جدا على المثقف الاستشراقي أن يصنفنا، و أتذكر المقولات السائدة ، على سبيل المثال نسمع بالآتي: العربي إنسان عصبي، العصبية القبلية عند العرب، الصحراوي إنسان عنيد … طارت معزة..الريفي لا يعرف المراوغة و لايقبل الدعابة …المراكشي إنسان كثير المزاح و يفتقد إلى الجدية .. القبلي يثأر. إلى غير ذلك من التصنيفات و التعميمات. واخيرا العربي لا يتواصل ..

إنتبهوا فالمثقف الإستشراقي يدرس كل المجتمعات ليس فقط المجتمعات العربية او الاسلامية فهو يدرس كل المجتمعات الشرقية، وفي دراسته يتناول كل المجالات بمافي ذلك اللغة أولا و لسانياتها و سوسيولوجياتها و سايكولوجياتها و تاريخها و دينها و قوتها و ضعفها، و يوثق كل ذلك في بيانات تستخدم بعد ذلك في استراتيجيات سياسية أو اعلامية /بروباكاندا.
ولكن من ساهم في تشكيل تلك الصورة؟ أليس نحن ؟ ألا نتوقف قليلا لكي نتأمل أوجه تشابه سلوكنا دون تعميم ؟ و الناذر لاحكم له. طبعا لدينا أطر مثقفة و نخبة ضئيلة لكن نستثيها لقلة تأثيرها.

دعونا نطرح بعض الأسئلة كأفراد و ليس كمجتمعات :
هل تسائلنا يوما لماذا نحن أو اغلبيتنا متعصبون ؟ لماذا نحن شعوب غاضبة؟ لماذا نحن شعوب منفعلة؟ لماذا نحن شعوب متسرعة في الأحكام؟ لماذا نحن شعوب لا نسمع عندما يتحدث المتكلم؟ لماذا نحن شعوب تخاف من الجديد؟ لماذا نحن شعوب لا نقبل المخالف لرأينا، وقد نعنف عندما نتلقى من يخالفنا الرأي العام؟ لماذا نحن شعوب نفكر جماعة و نقول قالت الجماعة و قال الناس و قال العلماء (حتى لا نذكر هوية هؤلاء العلماء و لا إسم المجلة العلمية و لا تاريخها و لا رقمها)، و نقول فعل المقبورون و قال الأولون(ناس زمان) ولكن من هم؟ و نهتم بكبر السن/الشخصنة عوض المعلومة العلمية الموضوعية الجافة.

أنا لا أدق هنا طبول الحرب على أصحاب الموروث كلا ، و لا ادق على الدقة القديمة، ولا على المسنين ..كلا فأنا أبحث عن العلم و لا تهمني الشخصنة و الأشخاص …ولكن كعادتي أحب أن أناقش مواضيع حية تعاش، إلا أني أحب دائما أن أنطلق من مرجعيتي التحليلية النفسانية في عالم الاشعور. أحب أن أزيل الستار على الطابوهات، أحب أن أستفز القراء لكي أقوم بوخز البصلة السيسائية ، و اجعل سيالتك العصبية تتحرر من الخمول و التبعية العمياء. فالدماغ عضلة تتقوى بالتمارين والتهييج العصبي، لعل هذا يشجع القارئ على طرح أسئلة أخرى ثم البحث عن الحقيقة.

من عجائب تقاليدنا وثقافتنا واعرافنا في المجتمعات التقليدية ، أننا نمارس عادات وسلوكات ورثناها من اوساطنا ، ونطبقها نقلا حتى تصبح قاعدة إجتماعية لا نستطيع أن نتركها، و نخاف أن نتركها تجنبا من نعتنا وتصنيفنا بالغريب أو الشاذ أو الشيطان الخارج من المجموعة/ الجماعة.
نقوم بمجموعة من السلوكات و التصرفات اليومية و التي معظم الأحيان بعد أن تصبح مكتسبة، تحدث تلقائيا/الاشعور، دون أن نتسائل يوما لماذا وكيف ومتى وهل فعلا صحيح هذا وذاك؟
نحن أفراد لا نأخذ وقتنا في عملية المضغ . نلتهم عوض ذلك ما يقدم لنا ..بل حتى نبلعه على طول . نحن لا نسمع و اذا سمعنا عبر التلقين و الاشاعة ما يمرره العامة من تعميمات ، فنقوم بأخذها كمسلمات لا نناقشها حتى. وإذا سمعنا الأخبار و النميمة فنحن لانتحقق من صحتها او زيفها اومصدرها ..بل نصدقها في الحين أو نكذب في الحين دون عقل. والتصرف المتسرع يفسد علاقاتنا.
لا نفهم معنى الفلسفة او الحكمة أو المنهجية العلمية، إذ لا نأخذ وقتنا في طرح الأسئلة الوجودية و الاساسية، بل نعود عوض ذلك إلى ماقاله الأموات او العامة ، و نأخذ بأخطائهم و لا ننتقذها و لا نضعها تحت المجهر لتحليلها و فهمها. أخطاء عوام أو علماء حتى أو تعميمات مهما كانت، و لا نطرح حتى فرضية إحتمال الخطأ أو فرضية الظرفية حتى. اخطاء أغرقتنا في أوحال الظلمات و الجهل.

أين نحن من طرح النظريات و البحث في التاربخ و الحفريات و المصادر و التدقيق في علوم اللغة و استعمالاتها البيانية و اللغوية؟ اين نحن من التجربة و الفرضية و الاستنتاج؟.. ..
فقد العقل دوره و تولى النقل زمام الأمور ، فأصبحنا محاصرين بتقاليد و موروثات و تراكمات ثقافية من جهة، و من دعايات تضليلية و معلومات سوقية و تعميمات تافهة من جهة أخرى ..
فكيف لسلوكنا أن يكون فعلا مستقلا و متحررا و واعيا في ظل براثين العولمة و عصر المعلومات العنكبوتية التي لا حصر لها . نحن فعلا ضعاف و معرضين للتلاعب من طرف عمالقة الإعلام أو لمروجي الشائعات ، لأننا و لسبب واحد لا نغربل و لا نقرأ. كيف لشخصية الشرق أوسطي أو الشمال إفريقي أن يتصرف بفردانية و تجرد قبل الأحكام.

كل تلك التراكمات تنتج و ببساطة مجتمعات نمطية تفكر جماعيا و تعبر جماعيا وتتشابه في السطحيات و في الآراء.

إشكاليتنا هي بالأساس ، تعود للنقل الوراثي حيث يجتمع المتمدرس و الامي فيها، لذلك تتفشى في مجتمعاتنا التقليدية ، عادات سلوكية معادية لمعايير التواصل الراقية و الحضارية، للحوار البناء ، لخاصية التخطيط ووضع الاستراتيجيات المستقبلية التي ستنفعنا للمضي قدما لمواكبة ومسايرة الغرب في قطار التقدم و الرقي..




قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.